جامعة الدول العربية حاولت أن تؤدي دورا يفوق المساحة التي تستطيع الحركة فيها، في منطقة تعصف بها الاستقطابات الدولية وتصفى على أرضها معارك الشرق والغرب السياسية والإيديولوجية. ومع أن الجامعة وبسرعة كبيرة حاولت تدارك الوضع فيما يخص الملف السوري وحملته بكل خيبة أملها إلى قاعة مجلس الأمن حيث استقبلهم نزار قباني المنفي من وطنه معاتبا العرب والعروبة؛ حيث صدح المندوب السوري على غرار ولا تقربوا الصلاة، وسكت. بقول نزار: دمشقُ، يا كنزَ أحلامي ومروحتي أشكو العروبةَ أم أشكو لكِ العربا؟ وليته أكمل ليصل إلى قول نزار: يا شامُ، أينَ هما عينا معاويةٍ وأين من زحموا بالمنكبِ الشُّهبا فلا خيولُ بني حمدانَ راقصةٌ زُهواً... ولا المتنبّي مالئٌ حَلبا وقبرُ خالد في حمصٍ نلامسهُ فيرجفُ القبرُ من زوّارهِ غضبا ورُبَّ حيٍّ.. رخامُ القبرِ مسكنهُ ورُبَّ ميّتٍ.. على أقدامهِ انتصبا يابنَ الوليدِ.. ألا سيفٌ تؤجّرهُ؟ فكلُّ أسيافنا قد أصبحت خشبا أو ليته توقف عند قول نزار قباني في القصيدة ذاتها: وواحدٌ نرجسيٌّ في سريرتهِ وواحدٌ من دمِ الأحرارِ قد شربا على طاولة مجلس الأمن لا ألم نزار وعتبه وإحباطه، ولا دماء العرب في سوريا أو فلسطين كانت ضمن حسابات الفيتو (الأوروأمريكي) لصالح إسرائيل منذ عام 1948م، ولا (الروصيني) فيما يخص الموضوع السوري. لقد أقفل الصينيون والروس على مجلس الأمن المنافذ، وجرب الأمريكيون مرارة الفيتو كما خبره الروس والصينيون والعالم عندما تصرخ به أمريكا في وجه الجميع حامية مجازر إسرائيل. الفعل واحد، والفاعل مختلف والدم المسفوك عربي في سوريا أو فلسطين. لقد اطمأن الصينيون والروس إلى ردود الفعل العربية من تجربتهم مع ردود الأفعال على قرارات النقض الأمريكية والأوربية عندما يتعلق الأمر بإسرائيل، ولذلك فهم على يقين أن موقفهم الداعم للنظام السوري سيكون بردا وسلاما وأن العرب الذين جاءوا بالملف لن يكون بمقدورهم أن يحتجوا على الروس أو الصينيين بما يجعلهم يفكرون مستقبلا بالتريث قبل اتخاذ قرار بنقض مشروع إدانة للمذابح السورية. ومنذ عام 1945م تصدر الاتحاد السوفيتي ووريثه الاتحاد الروسي المشهد بحوالي 125 فيتو، ثم الولاياتالمتحدةالأمريكية 83 مرة غالبيتها لصالح إسرائيل، فالمملكة المتحدة 32 مرة، وفرنسا 18، والصين 7 مرات فقط. الأمريكيون والأوربيون سيواصلون العمل حسب قولهم ولكنهم لن يتحركوا عسكريا ضد العدوان السوري على الأبرياء، ومن يدقق في المواقف يجد أن الغرب لم يطمئن إلى بديل موثوق لنظام الأسد، فالتجربة المصرية لم تتضح معالمها بعد، كما أن الشعب السوري لم ينهك بما فيه الكفاية؛ فمازال الغربيون والشرقيون يريدون رؤية المزيد من الدماء تسفك في سوريا وعندها يكون التدخل مبررا ومحققا لمصالح الدول دائمة العضوية في مجلس الأمن أكثر منه لمصالح السوريين. روسيا والصين تدرك أن أي قرار يخص سوريا يعزز النفوذ الأمريكي ويسحب البساط من الدولتين في آخر معاقلهما في الشرق الأوسط، وعندها ستؤول المنطقة برمتها إلى المعسكر الغربي بعد اجتثاث نظام الأسد ودحر النفوذ الإيراني وتقزيم قوة حزب الله. وبدون شك فإن الصينين والروس لن يتنازلوا بهذه السهولة ولن يسلموا أمرهم للولايات المتحدة ما استطاعوا لذلك سبيلا، فماذا يملك العرب؟ العرب لا يملكون الكثير، ولن يستطيعوا التدخل العسكري ولن يكون بمقدورهم دعم السوريين خشية من تدخل روسي وإيراني بدعم أكبر لحليفهم السوري. أزمة سوريا تبدو مفصلية وهي ذات تداخل عضوي مع كل من الوضع اللبناني والعراقي الداخليين كدول جوار، ومرتبطة بالحالة الإيرانية إلى حد بعيد، وبأمن إسرائيل واستقرار الأردن. ولذلك فالحلول مركبة وتأتي على شكل سلة ذات توليفة معقدة، والمشكل أن الوقت مفتوح والخيارات تستدعي كل الاحتمالات، وسوف يستمر الدم السوري في النزيف.