عبدالعزيز العبدالعزيز المنقور رجل يعرفه غالبية أهل نجد، ويعرفه كل أهل سدير، رجل يحبه كل من عرفه، معاملته لا تسمح أبداً إلاّ بحبه، وحبه فقط.. لم يُعرف -رحمه الله- لتجارته، ولم يُعرف لنسبه، ولم يُعرف لمنصبه، وإنما عرف بالقيم النبيلة التي عاشها وتخلق بها وظل طوال حياته يبشّر بها سلوكاً. أبا أحمد أنت الوفاء والمروءة والشهامة. رأيت في حياتي أناساً كثيرين يختلف فيهم، لكني لم أجد شخصاً اتفق الناس على احترامه وحب شخصه مثلما اتفقوا على الشيخ عبدالعزيز العبدالعزيز المنقور -رحمه الله-؛ لأنه وقف عندما جلس غيره، ,ووقف عندما وقف غيره، وهذا هو ما جعله رمز الحب والوفاء. جمعني به والمرحوم غازي القصيبي مجلس فلما رآه القصيبي طالعه بعمق وقال بعبارة حزينة: "شيبت يا أبا أحمد" ولسان حاله وقسمات وجهه تقول:"ومثلك لا نريده أن يشيب". أتى أبو أحمد إلى الدنيا يتيم الأب، فجعل من اليتم قيمة يرى من خلالها جمال الدنيا ودلالاتها الحقيقية، ولذا جعل منهجه الحب والتفاؤل ورقة القلب وحسن المعشر، وأسبغ على الجميع عطفه وحنانه ومساعدته. لقد كان وفياً وذا مروءة بلا تكلف، بل يشعرك وهو يقوم بهذا أنك أهل له وأن هذا بعض حقك الذي تستحقه منه. هناك قصص كثيرة وكثيرة تروى عن وفاء وطيبة ودماثة أخلاق هذا الرجل وأتمنى على أسرته الكريمة أن يوثقوها قصة قصة وحادثة حادثة، ففيها قيم رائعة وقصص تستحق بحق أن تسرد للأجيال القادمة. رحمك الله أبا أحمد فقد كنت حكيم قومك يقصدونك لأنهم يعرفون أنهم سيسمعون مشورة محب حكيم، قصدك الكبير والصغير، والقريب والبعيد، يطرقون بابك في كل الأوقات ويكشفون لك ما لا يكشفونه إلاّ لأنفسهم، وكنت تسمعهم وكأنه لا يوجد في دنياك إلاّ هم، فتسمع بحب وتفكر بحب، ثم تبدي وتعطي ما تراه بحب، فيسمعونك بحب. حتى في لحظاتك الأخيرة كنت تتعالى على آلامك، وتحدث زوارك وكأنه ليس لديك مشكلة أو ألم، تسألهم عن تفاصيل حياتهم الدقيقة، تفاصيل عارف بحياتهم معرفة من عاش معهم، وكانت الاتصالات الهاتفية لا تتوقف وكل مكالمة تراها هي الأهم، هكذا أنت يا أبا أحمد: كان الجميع أولاً وكانت نفسك ثانياًً. لقد بكاك الجميع، وصدقوا عندما كرروا وهم يعزون أبناءك وأسرتك بالقول لم نأت لنعزيكم، وإنما جئنا لتعزونا فيه، فمصابنا مثل مصابكم أو أكثر، جاء كل معز وله معك حكاية عنوانها الحب. تطوع القليل منهم بسرد حكايته معك فتحول مجلس العزاء إلى دروس في الأدب والأخلاق وروايات فيها حكايات يبكي ويفرح ويصدقها وعظمتها، وكنت أنت وحدك بطلها. لقد قِيل القليل وبقي الكثير والكثير. توقفت حياتك عن الكتابة وبقيت كتابا نتعلم منه، نتعلم من حياة رجل كريم عصامي بنى حياته بنفسه. عاش عبدالعزيز المنقور طوال حياته لغيره فكان كالشمس التي أشرقت عليهم. غابت تلك الشمس المشرقة وبقيت ذكرى لن تمحى من قلوبنا ومن تاريخنا. إن الوجوه التي ازدحمت للصلاة عليك وبالتعزية فيك لكل واحد منها رواية وحكاية معك، وجاء ليبكيك ويبكي جزءاً من نفسه وهي ترحل معك، فكل المعزين كانوا يكررون جملة واحدة "الجميع يعزى في أبي أحمد وليس أبناءه"، كان المعزون يتوافدون من كل جهة ولكل واحد منهم رواية وقصة وحكاية معك كلها تقول نفس المعنى. تفرد عبدالعزيز العبدالعزيز المنقور في عطائه للناس، تفرد في حب الناس له، تفرد في سماحته التي رافقته حتى في اللحظات الأخيرة من مرضه فرغم ما كان يعانيه لم يشتكِ ولم يتغيّر خلقه الطيب بل كان يبتسم للجميع ويظهر لهم الرضا بما قسم الله له. غفرالله لك يا أبا أحمد فقد كنت أباً ومعلماً حانياً ليس لأولادك فقط وإنما للجميع. رحمك الله ابا أحمد واسكنك فسيح جنانه وجمعنا وإياك في جنات الخلد آمين، فانت بحق قصيدة حب تقال ولا تنتهي. أدعو الله أن يمنح الصبر والسلوان أسرتك الكريمة وجميع من عرفك.