التغيير الوزاري الأخير تضمن كثيراً من الإيجابيات منها أن القياديين الجدد هم من خارج الأجهزة التي سيتولون قيادتها، وبالتالي فالمتوقع أنهم سيأتون إلى هذه الأجهزة بفكر جديد. وأكاد أجزم أن المسؤول الجديد سواء أكان بدرجة وزير أم غيرها عندما يُكلف بالمسؤوليات الجديدة سوف يسأل نفسه (من أين أبدأ؟). الأولويات كثيرة، ولكن من الذي يحددها؟: هل ينطلق المسؤول الجديد من الأولويات كما يراها الناس ويتخذ حيالها قرارات عاجلة، أم يبدأ بدراسة لتشخيص الواقع وعلى ضوء النتائج يرسم استراتيجية المستقبل، ومسيرة التطوير؟! وعلى سبيل المثال سيجد معالي وزير الخدمة المدنية أمامه قضايا كثيرة منها تحديث اللوائح والأنظمة بما يتفق مع المتغيرات الحديثة المتعلقة بالاحتياجات الوظيفية وما يرتبط بذلك من مراجعة تصنيف الوظائف ووصفها الوظيفي ومزاياها، وسلم الرواتب لبعض الفئات وكوادرها مثل المهندسين والفنيين. ومن أهم قضايا الخدمة المدنية فتح فرص التوظيف، وتوطين الوظائف وتطوير أداء الأجهزة الحكومية وتفعيل دور الوزارة في هذا الاتجاه، أي قضية تطوير الأداء من خلال ذراع الوزارة التطويرية (معهد الإدارة العامة)، وتفعيل مشروع مركز قياس الأداء ليخدم هذا التوجه. أما التدريب فإنه يحتاج إلى تقييم وتطوير في مجالاته وأساليبه مع أهمية النظر في تطوير التدريب التحويلي بما يخدم فتح فرص جديدة للتوظيف تتفق مع احتياجات القطاعات المختلفة خاصة أن مخرجات التعليم قد لا تتفق دائماً مع الاحتياجات الوظيفية. إن الدور المنتظر من وزارة الخدمة المدنية في تحقيق نقلة نوعية في ميدان التطوير الإداري هو أيضاً أولوية سوف تزاحم الأولويات الأخرى ويستطيع معالي الوزير في هذا الموضوع استثمار خبرات وإمكانات معهد الإدارة العامة لمزيد من تطوير المفاهيم والتطبيقات. نعود إلى السؤال الذي طرحناه في بداية المقال وتركنا إجابته مفتوحة وهو من الذي يحدد الأولويات، ومن أين يبدأ المسؤول الجديد؟ الإجابة المنطقية هي أن يبدأ بالتشخيص من خلال دراسة الوضع الراهن وتحديد المشكلات والاحتياجات وآفاق التطوير. قد يقول قائل إن القضايا واضحة وما على الوزير إلا قراءة ما يكتب عن أداء الوزارة ليحدد من أين يبدأ. وقد يأتي صوت من داخل الوزارة يقول إن ما يكتب في الصحافة يكتب بلغة عاطفية. وإن إعداد الخطط واتخاذ القرارات يجب أن يستند إلى حيثيات موضوعية. أمام هذه الضغوط أجد أنه قد يكون من المناسب أن يبدأ معالي وزير الخدمة المدنية، وغيره من الوزراء من داخل الجهاز بأن يعمل على تقييم أداء الوزارة ليجعل منها أنموذجاً يحتذى في لوائحها وأنظمتها وسياساتها وإجراءاتها حتى لا يقال (إن فاقد الشيء لا يعطيه) هذه البداية يجب أن تحدد بزمن معين وبعد ذلك تنطلق خطة عمل في إطار استراتيجية لها رؤية واضحة وأهداف محددة وآليات تنفيذ ومتابعة وتقييم ومحاسبة مع ربط كل ذلك بزمن معين. إن القرارات والحلول المنتظرة هي تلك التي تنطلق من تقييم الواقع ومتطلبات المستقبل وليست القرارات التي تأتي كرد فعل، وكون تلك القرارات والحلول تأخذ وقتاً أطول هو أفضل من اتخاذ قرارات وحلول متسرعة. وأخيراً كنتُ سأكتب في هذا المقال عن جميع المسؤولين الجدد ولكن وزارة الخدمة المدنية أخذت كل المساحة والوقت وكأنها تفرض أولويتها. أتمنى لمعالي وزير الخدمة المدنية د.عبدالرحمن البراك التوفيق في ترتيب أولوياته، واتخاذ قراراته، واختيار فريق عمله، وتوزيع المسؤوليات، وتفويض الصلاحيات وأن يوفق في إدارة وقته حتى لا يجد نفسه محاصراً بزحمة الأولوليات.