شممت حولي رائحة احتراق أيامي السعيدة عندما داهم والدي الحبيب المرض والدي يامن كنت لي أباً وظلاً ظليلاً وجاهاً وسنداً ومعطياً واهباً ومحباً صافياً ومضحياً وناصحاً ومرشداً. يا صاحب القلب الكبير ياسيداً آمراً وناهياً يامن كنت بي رحيماً ولشؤوني قيماً ومعيناً ياغيمةً تساقط مطرها وعطاؤها على دنيتي فيضاً غزيراً، قد بلغت من العمر ثمانين حولاً وما زلت شامخا بروحك بالله قوياً. لم أحس باحتراق الأيام فلقد كانت تعدو عدواً حتى ابيضت لحيتك وتغير الحال أيها الحزن أرجوك لا تقتلني رويداً علي رويداً ولكنك أيها الحزن تأبى! وكل يومٍ تتضخم كالسرطان لايرحم أرجوك بقلبي رفقاً فأبي لم يعد كما كان فالحزن مازال يكبر ككرة ثلجٍ تتدحرج وتكبر وتكبر كما هوحالي كلما ألقيت نظرةً إلى أبي الذي بالكاد يتكلم وأنا أتألم، أبي لا أريد أن أفقد هذه الكلمة. أبي كم يسعدني أن أكون عصاك التي تتكئ عليها كما كنت كيف أتركك وحيداً ولكن مايسليني أن بعض أخوتي يسدون حاجاتك في غيبتي في قريتنا الحبيبة علقة فجزاهم الله خيراً. أحاول أن أرعاك ما استطعت في كبرك ولم أكن يوماً متضجراً كما رعيتني في صغري رغم شقائي وعنادي ولم تكن تتضجر أبي دمعي من عيني يتفجر ودمعي يتكرر بين الفينة والأخرى كلما أتذكر ما أنت فيه من المرض ولايزال دمعي يتكرر. أبي لن أنساك مادمت حياً الألم يعتصرني دوماً كلما تذكرتك في شبابك في صحتك في مرضك في كدك في أفراحك في أحزانك يوم أن كنت طفلاً وأنت تلاعبني تداعبني تسامرني تخاف علي تحن علي تنصحني تدفعني إلى المدرسة إلى المسجد إلى التخلق بالأخلاق الرفيعة تعاقبني تهاديني تغذيني طعاماً تسقيني ماءً تؤويني تكسيني كساءً. وبالأمس القريب عندما كنت بحضرتك كنت أمد لك فنجان القهوة وبالكاد تمد يدك، عندها انسلت دمعتان من عيناي تترقرقان أحوال تقتلني من غير سلاح، وأحمد الله على كل حال لأنك يا الله الأبقى وإليك الرجعى فاغفر لأبي وأدخله جنتتك وقه عذابك. والدي لك حبي وتقديري حياً وميتاً، وسيكون كل ما أقدم لك من دعاء لك ذخراً وعلى صدري وساماً فأرجوك يا الله بأبي لطفاً.