أبي ومعلمي وصديقي، أراك اليوم مبتسما فرحا إن شاء الله بمحبة الناس ووفائهم لك، فلطالما زرعت الخير وها أنت تحصد ما زرعت، لقد صدقت يا والدي إذ كنت تقول لي دائما «الذي يعامل الله ما يضيع يا ابنتي»، وهاهما شهران قد مضيا منذ أن فارقتنا ولكن سيرتك الطيبة العطرة باقية إلى ما شاء الله، كما أرادها الله عز وجل لك، فما من قلم إلا كتب عنك وما من عين إلا بكتك وما من قلب إلا حزن على فقدك، وإنني لا أبالغ حين أقول بأنني وأمي وإخوتي بتنا نعزي كل من أتانا ليعزينا فيك. أبي، إنني أعتذر فقد تأخرت بالكتابة عن مصابي فيك، ولكني أصدقك القول بأن حزني على فراقك جعلني أشعر بأن يدي قد شلت، وإن الحبر قد جف عن قلمي وكنت في حيرة من أمري، فو الله ما كانت تترقرق دمعة لي حزنا عليك ألا وقد سبقتها دمعة فرح وافتخار بك. هنيئا لك يا أبي، فأنا لا أحسبك ميتا؛ لأنني أراك حيا في أعين الناس وفي قلوبهم، وما ذاك إلا بتوفيق من الله عز وجل، فمن أحبه الله حبب فيه خلقه، وأكاد أقسم بأن ما من أحد أتى يعزينا فيك إلا وقد قال «إن أباكم لم يمت فهو حي في قلوب الناس بإذن الله». أكتب لك اليوم يا أبي بحنين وشوق لأعرب بالإنابة عن جميع أفراد الأسرة عن خالص الامتنان والتقدير لكل من واسانا فيك، وعلى وجه الخصوص سمو الأميرة عادلة بنت عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود، تلك السيدة الفاضلة الوفية، التي سمت بأخلاقها ونبل أعمالها فجمعت بين سمو الخلق ومكارمه وسمو النسب الملكي وعلوه، فهي كريمة وابنة رجل كريم والدنا جميعا خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز، الذي ملك القلوب بطيبة قلبه ووفائه لوطنه وأمته، أسأل الله له الشفاء العاجل وأن يمد في عمره ويحفظه متمتعا بموفور الصحة والعافية. أشكرك يا صاحبة السمو أيضا على تكريمك لذكرى والدي (رحمه الله) في منتدى السيدة خديجة بنت خويلد (رضي الله عنها وأرضاها)، وأكرر شكري وتقديري لك مرة أخرى على كلمتك في مؤتمر الرعاية والصحة المنزلية التي أثلجت الصدور بما عبرت فيه عن مكنون الوفاء للوالد (رحمه الله)، وشكري موصول لكل الأخوات الفاضلات اللاتي ذكرن أبي بكل وفاء ومحبة وتقدير، وأخص بالشكر الأستاذة مها فتيحي، الأستاذة جواهر ناظر، والدكتورة هدى العمير، وأشكر كل من أحب أبي وعرفناه وكل من أحبه ولم نعرفه. جزاك الله عنا خيرا يا أبي؛ لأنك لم ترحل إلا بعد أن ألبستنا تاجا من السيرة العطرة التي مسحت دموعنا، فسمونا فوق حزننا على فراقك لنكمل مسيرتك الطيبة إن شاء الله، فقد كنت تؤمن بأننا لم نخلق عبثا وإنما لنعبد الله ونسعى لإرضائه بكل ما وهبنا من قوة، لذلك كنت تعمل عمل جمع من الرجال وأنت رجل واحد، حتى إنني رأيت إخوتي: ياسر، عبدالله، وعبدالعزيز وهم يودعونك يوم الرحيل قائلين: سننسى النوم بعدك أيها الوالد العزيز لنكمل ما بدأت إلى أن نلقاك في جنات النعيم إن شاء الله. وختاما، أقول: رحمك الله يا أبي وهنيئا لنا بك وهنيئا لك، فقد عشت أنت ورحلت أنت، وستبقى أنت إن شاء الله كما أراد لك الله عز وجل، وجيها، محبوبا، وأدعو المولى تبارك وتعالى أن ترد الحوض لتشرب من يدي حبيبك سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم وتسعد برفقته في جنات الفردوس، كما كنت تتمنى. أحمد الله لأنك أبي، ولن أقول وداعا ولكن أقول إلى اللقاء إن شاء الله. ابنتك: فاطمة محمد عبده يماني