هل كنا بحاجة للأحداث التي شهدها ملعب الشعلة في الخرج ونقلتها القناة الرياضية السعودية إلى أصقاع الأرض، وأظهرت المنافسات في المسابقات السعودية وكأنها في إحدى الدول محدودة الإمكانات؟ وهل كان ظهور مشروع المدينةالرياضية في الخرج على السطح بحاجة لهكذا أحداث مؤسفة شوهت اسم مسابقة كأس ولي العهد؟ وهل ستفتح هذه الأحداث ملف سوء المنشآت الرياضية في المملكة وتعطل بناء الجديدة منها وإعادة تأهيل القديمة؟. منطقي جداً أن يبادر اتحاد كرة القدم إلى فتح تحقيق عاجل حول الأحداث، فهي كشفت بجلاء عن حجم المعاناة، وأن المسؤولين كل المسؤولين بحاجة لمظهر كهذا حتى يتم التحرك بشكل إيجابي، ولكن غير المنصف أن يلقي اتحاد الكرة باللائمة على أي من الأطراف المنظمة للمباراة، وأعني القائمين على ملعب الشعلة، فهم منفذون لما يطلب منهم، ولم يقرروا إقامة المباراة على هذا الملعب، بل إن المنتظر أن يعترف اتحاد الكرة بتقصيره أمام الإعلام والرياضيين كافة، وهذا الاعتراف - إن حدث - فهو يمثل أعلى مستويات الشفافية في التعامل مع الأحداث والشعور بالمسؤولية. مؤلم ومستفز في الوقت ذاته ماحدث على ملعب الشعلة، فهو أساء لرياضة وطن، وللقائمين على تنظيم المسابقات، وأساء أيضاً للجماهير السعودية، التي قد تدفع ثمن هذه الأحداث بتكوين انطباع سيىء عن المدرجات السعودية، وهو ما يستدعي إقامة حملة لتثقيف الجماهير، فهذه العينة من الجماهير ترتكب هذه الحماقات وهي بكامل وعيها، فيما تُقدّم الكحول في الملاعب الأوروبية للجماهير التي لا يفصلها عن الملعب سوى حاجز قصير وأمتار لا تتجاوز الخمسة كما في الدوري الإنجليزي، ومع هذا لا نجد من يقترف مثل هذه التصرفات الرعناء، وهو ما يؤكد أن المسألة وعي وثقافة. ماشهِدته ليلة الخميس من أحداث على ملعب الخرج، ماهي إلا دعوة جديدة للكشف عن المتسببين بهذه الفوضى التي عمّت رياضتنا، أقول رياضتنا ولا أقصد مباراة الشعلة والهلال. لقد تسببت البيروقراطية في تأخر رياضتنا عشرات السنين إلى الخلف، وإلا فكيف لايتم البدء في المدينةالرياضية في الخرج إلا بعد مايقارب ال4 سنوات، وهو ما كشف عنه محافظ الخرج الأمير عبد الرحمن بن ناصر الذي أكد أن فسح البناء لم يتم استخراجه إلا قبل اسبوعين تقريباً من الآن. ملعب الخرج كغيره من الملاعب والمدن الرياضية ومقرات الأندية التي لم ترَ النور حتى الآن، حتى وإن كانت الرئاسة العامة لرعاية الشباب قد أعلنت قبل شهرين تقريباً عن مشاريع عدة يجري العمل على (البدء) في تنفيذها، وهي مشاريع أُقرت الغالبية منها قبل أكثر من سنة على الأقل، وهو التأخر الذي يعد أحد العلل والمعضلات التي ألقت برياضتنا إلى المجهول، فمنذ افتتاح ملعب الملك فهد في الرياض لم توضع طوبة واحدة لبناء استاد رياضي أو مدينة على غرار العديد من الدول الأقل منّا إمكانات. بين الخرجوالدوحة إن الرياضيين بمختلف أطيافهم ينتظرون أن تكون أحداث الخرج نقطة الانطلاق والتحرك على مستوى رفيع للنهوض بالرياضة السعودية في مختلف ألعابها، فما حدث جاء بالتزامن مع اختتام دورة الألعاب الرياضية في الدوحة، وهي التي شهدت إخفاقاً مؤلماً للعديد من الألعاب إن استثنينا اتحادات ألعاب القوى والرماية والفروسية، وهي الاتحادات التي (بيّضت الوجه) فيما بقي الآخرون في دوامة الإخفاقات، وهو ما يفرض عقد مؤتمر صحافي لكشف حساب الألعاب المختلفة بإشراف اللجنة الأولمبية لتقويم مكامن الخلل وتصحيحه قبل أولمبياد لندن 2012، وزيادة الدعم للاتحادات المرجو منها تقديم ما هو جيد في التظاهرة العالمية الكبيرة، وإبعاد الاتحادات الضعيفة والمسيئة لرياضتنا بإخفاقاتها في كل حدث إن كانت قد وجدت الإمكانات التي تمنح اللجنة الأولمبية أحقية المحاسبة، وإلا فإنه من الظلم أن تتم مطالبة أي اتحاد بنتائج طالما أنه لم يجد أي مبلغ يسيّر به أموره طوال موسم كامل، وهذا ما تحدث به العديد من المهتمين والعاملين في الألعاب المختلفة. إن كانت اللجنة الأولمبية ترغب في التطوير فعليها الغوص في أعماق الاتحادات الرياضية الفقيرة، والاستماع لمطالبها وتوفيرها، بدلاً من أن تشكل هذه الاتحادات عبئًا على أعضائها الذين قد يضطرون للدفع من جيوبهم الخاصة مبالغ أكثر من تلك التي يتقاضونها عند رئاستهم لبعثة أو حضورهم لاجتماع بعشرات المرات. أحداث مباراة الشعلة والهلال كشفت المزيد من فوضى تخطيط اللجان لجان اتحاد القدم.. أخطاء متكررة ولأننا بذكر الاتحادات التي لم تقدم الجديد، فإن اتحاد كرة القدم هو أول تلك الاتحادات التي يتوجب عليها محاسبة نفسها، والوقوف أمام العديد من الأحداث التي أثبتت أنها من أسباب تراجع الأندية والدوري والمنتخبات السعودية. اتحاد كرة القدم هو الواجهة الحقيقية للرياضة في كل بلاد العالم، ولدينا يرتكب اتحاد الكرة أخطاء عبر لجانه وهيئة دوري المحترفين لا يمكن أن تدفع بعجلة التطور الكروي. لجان اتحاد القدم تؤزم الأوضاع يوماً بعد آخر، والشواهد كثيرة، وحتى لا أتهم بالتجني، فإنني سأضرب مثلا بلجنة الاحتراف التي أقرت في اجتماعها الأخير اتفاقياتها مع بعض البنوك لإيداع رواتب اللاعبين في حساباتهم بشكل مباشر من خلال فتح حسابات لهذه الأندية لا أحد يمكنه التصرف بها حتى رئيس النادي، والهدف من ذلك الحفاظ على الأموال التي تقطّرها اللجنة على الأندية، وهي التي لا يمكن أن تفي بمتطلبات الرواتب، لشهرين من أصل 12 شهراً، وكأن مبلغ المليون والنصف الذي يحتاج لمخاطبات وزيارات وتوسلات قبل صرفه يشكل مطمعاً لرؤساء الأندية الذين يدفعون من حُر أموالهم لفتح بيوت هؤلاء اللاعبين عبر دفع مقدمات العقود والرواتب. ماذا لو نجحت لجنة الاحتراف في صرف راتب شهر للاعبي أحد الفرق وعند حلول صرف راتب الشهر الذي يليه تسلم بعض اللاعبين راتبهم ولم يتسلم الآخرون، هل الصرف سيتم على طريقة "من سبق لبق" كما يقول العوام؟ وماذا لو لم تستطع الأندية صرف رواتب بقية اللاعبين الذين لم يستلموا هذا الراتب، أوليس في هذا زرع للمشاكل والتفرقة بين لاعبي هذا الفريق. لقد كان على اللجنة المطالبة برفع إعانات الاحتراف وإعادتها على الأقل لمبلغها السابق 3 ملايين ريال وهو المبلغ الذي كان يقدمه اتحاد الكرة عند إقرار احتراف لاعبي كرة القدم، أو الإعلان عن التكفل برواتب لاعبي الأندية وإلغاء صرف الإعانات السنوية، على أن لاتتجاوز الرواتب سقفاً معيناً مع تكفل الأندية بمقدمات العقود، إذ أن هذا القرار قد يساعد الأندية على الإيفاء بمتطلباتها ويزيح حمل الرواتب الشهرية عن كاهلها، خصوصاً مع ضبابية الأمور المتعلقة بحقوق الأندية من النقل التلفزيوني، وعندها سيصفق الجميع لاتحاد الكرة على تحقيقه لمعيار الدعم الحكومي بكل اقتدار. هيئة المحترفين من جديد سئم الكثيرون من نقد هيئة دوري المحترفين، لكن الهيئة لا يبدو أنها على الأقل تسعى لتجاوز الأخطاء، كثيراً ما تطرقنا لهذه الأخطاء، وآخرها حقوق الأندية، الحقوق التي جعلت رئيس نجران المكلف صالح آل مريح يبقى في نجران ليثني وكيلة مدرب الفريق واثنين من اللاعبين الأجانب عن تقديم شكوى ضد النادي على خلفية عدم تسلم المهاجم الصربي دوسان دوكك والمهاجم المقدوني زوران بالدوفايف والمدرب المقدوني جوكيكا حقوقهم المتأخرة بالإضافة إلى عمولة الوكيلة، يضاف إلى ذلك إلى احتجاز مدير الفريق الأولمبي مهدي جوبان في أحد فنادق جدة بعد ذهاب الفريق لمواجهة الاتحاد في كأس الأمير فيصل بن فهد بسبب عدم سداد مستحقات الفندق المتمثلة بسكن 24 لاعباً حشرهم الجهاز الإداري في 8 غرف حتى لا يضطر لدفع مبالغ إضافية، وهو الذي لا يملك أصلاً أي مبلغ لإسكان الفريق، وعدا عن هذا لم يجد الفريق مبلغ ألفي ريال قيمة الحافلة التي تقل الفريق من مطار الرياض للقصيم لمواجهة التعاون بعد أن تكفل رئيس الرائد فهد المطوع بتكاليف معسكر الفريق للمباراة بقيمة 40 ألف ريال. هذا ما يحدث في نجران وما تطرق له النجرانيون عبر الإعلام، في حين قد نجد أندية تعاني كهذه المعاناة وأكثر لكنها صابرة لا تحرك ساكناً على أمل الحصول على هذه المبالغ. هيئة دوري المحترفين هي التي عجزت عن تركيب بوابات الكترونية ضاعت بين مصانع تركيا وشركات البرمجة في العاصمة البريطانية لندن، وهي نفسها التي حرمت الاتفاق من عقد رعاية، بتعاقدها مع نفس الشركة، بحسب أحاديث نسبت لرئيس الاتفاق عبد العزيز الدوسري، وهي نفسها التي جمعت مسؤولي التسويق في الأندية ولامتهم على عدم التسويق للحضور الجماهيري بعد أن فقدت نصف المقعد، وكأن مدراء التسويق هم المتسببون بفقدان المقعد، في وقت كان ينتظر من القائمين على الهيئة دعوة ممثل عن جماهير كل نادٍ لبحث المعوقات التي تقف ضد حضور الجماهير وليس مناقشة مدراء التسويق الذين لا يحضرون المباريات في المدرجات مثلما الجماهير، ولا يشعرون بمعاناة الجماهير لكونهم يدخلون المنصة الرئيسية في كل مباراة ويتمتعون بما لا يتمتع به المشجعون. هيئة دوري المحترفين هي الهيئة التي ترفض الكشف عن ميزانياتها وتطالب الأندية بتزويدها بتلك الميزانيات، وهي التي أزبد وأرعد مسؤولوها عندما كشف رئيس الرائد فهد المطوع عن أن الأندية لا تتسلم شيئاً من عقد رعاية الدوري الذي يبلغ 100 مليون ريال بحسب تصاريح موثقة للأمير حسام بن سعود اعتمد عليها رئيس الرائد حينما كشف عن هذه المعلومة. ماذا تريد الجماهير السعودية..؟ إن كل ما يريده المشجع السعودي البسيط، عمل دؤوب، واحترافية حقيقية تقتل البيروقراطية وتختلف عن تلك التي نشاهدها عبر أعمدة الصحف، وتطوير المنشآت الرياضية، وزيادة الدعم المالي للأندية حتى تعمل بشكل احترافي وتجلب لاعبين مؤثرين ومدربين مميزين، وإصلاح بيئة الاستثمار، والكشف عن الاستراتيجيات والخطط إن وجدت، وإبعاد الأسماء المتشبعة والباحثة عن التلميع والتطبيل، والمكاشفة والالتقاء بالإعلام وكشف الانجازات والاستماع للآراء والنقد حتى وإن كان قاسياً في بعض الأحيان على الأقل من باب كونه لمصلحة الوطن، والأهم من ذلك كله هو جلب الخبراء الأجانب إن كنا لا نملك القدرات البشرية القادرة على التطوير، فلن يكون ذلك معيباً، إذ أن الاستفادة من تجارب الآخرين والانطلاق منها هو أحد الأمور المهمة التي يجب أن ينطلق منها العمل نحو التجديد. أخيرا.. حينما نذكر العديد من الأمور التي تقف حجر عثرة في طريق التطوير على المستويات كافة، فهذا مردّه الغيرة على رياضة الوطن، ولإيصال رسالة من أصل رسائل عدة يود الشارع الرياضي توجيهها للمسؤول الأول الأمير نواف بن فيصل الذي أكد أنه يرحب كثيراً بالنقد وتوجيه الإعلام الرياضي دون أن يكون ذلك تغلفه الميول أو المبالغة والتجريح، ولأن الرياضة باتت صناعة تقدم أصغر الدول وأقلها إمكانات للعالم أجمع لتكشف عن حضارتها وواقعها وقدراتها على التفوق والنجاح بفعل العمل الاحترافي ووضع الأمور في نصابها بعيداً عن المحاباة والمجاملة، طالما أن الأمر متعلق باسم ومصلحة الوطن.