نكمل في هذه الحلقة الثانية الحديث عن الملحن أحمد باقر (1933-2011)الذي يعد الأب الشرعي لنشأة قالب الأغنية وتسميها بالأغنية الكويتية، ومن بعدها ما سمي بالأغنية الخليجية رغم إشكالية المصطلح التي عالجتها في دراسة مستقلة إلا أنه ليس مجال عرضها. وقد أنجز الملحن الكويتي أحمد باقر على التوالي أعمالاً بذات الطريقة التي صنعها في أغنية" لي خليل حسين" حيث وضعها أسلوباً في أغنية رائعة "هولو بين المنازل"(1976) لشادي الخليج حين عاد بعد توقفه مستلة من فنون البحر (لمة الجيب: سحب الحبل لتمكين الغواصين من جمع المحار) بنفس الطريقة فالمقاطع الصوتية " هولو هولو هوليا .. هولو بين المنازل" وأما المقاطع الجديدة فهي متوالية هكذا "أسمر ومضمر، يا حلم السمار، أسمر يا مملوح". ونضيف إليهما أغنية جميلة غير شهيرة "يا عونة الله" لعوض دوخي من فن اشبيثي مثل أغنية" لي خليل حسين"، وقد تغنت بنص شعري لفهد بورسلي "يا روح روحي من يسلي الروح" ، ولكن لم يعتمد عليه بل وظف الكلمات المنغمة المعتمدة في شبيثي مثل الآه القصيرة في المطلع وتعبيرات ثابتة "يا عونة الله ، لا بالله"، وكان المطلع " آه قلبي على من ضاع وأشيل آه يا عونة الله ليش ينساني؟" ثم تتوالى المقاطع "ما كنه صارت بيننا أيام، في ليل هجرك أنا قلبي"، ولولع باقر بفنون البحر اعتمد الشبيثي الذي يدعى "الخماري السوداني" (الخماري حب السفينة وأما السوداني يقصد به الجهة الجنوبية) فهو يختم بنهمة ( موال)، وقد وضب باقر أداء آخر مقطع منها بهذا الشكل"يا ليل مهما طول الهجران"، وهو ما سيكرره في "شيلوا الغناوي" لسناء الخراز حيث اعتمد التنزيلة (استهلال الكورال بعبارة: إي بالله ) وجعلها لازمة موسيقية متكررة، ومن بعدها تؤدي بشكل أفقي ذات البيت الأول وإنما موالاً وقد برعت الخراز أيما براعة. وقد دمج في هذه الأعمال كلها- ليل خليل حسين وهولو بين المنازل ويا عونة الله- طرق التلحين المصرية الحداثية حيث تتمظهر لعبة التغييرات في السلالم النغمية، وتعقيد التداخل بين أجناس وخلايا المقامات بين حيوية التعبير وتمثيليته بما توحي به البصمة اللحنية لمحمد القصبجي، وقد وظف فيها إيقاعات منها كالوحدة والمقسوم، وارتفع بلهجة الكلام نحو عربية بيضاء بمعاونة صديقيه الشاعرين أحمد العداوني وعبد الله العتيبي، ويستثنى من بينهن محاولته الرائعة في الدمج بين فنين بدوي وحضري هما الفريسني – الدزة"اعزف يا شاعر" (1981) لسناء الخراز. وهو ما حدا بالملحن يوسف دوخي أن يترسم طريقته عندما عمل "صوت السهارى" 1963كذلك الملحن عبد الرحمن البعيجان في لحنه الشهير"ليل السهارى"1967. إذ طور الأول النص التراثي بين وظف الثاني موتيفاً منه الذي حفظ بصوت عواد سالم "حس السهارى"كما أن غنام الديكان سوف يأخذ ذلك الأسلوب إلى أبعد حينما بدأ تمارينه الأولى في أغنيتي "سدرة العشاق، حالي حال" (الأولى للشاعر مبارك الحديبي والثانية لعبد الله العتيبي) لشادي الخليج قبل أن ينطلق ويشكل منافساً قوياً لباقر غير أنه تحول إلى خط جديد تزعمه في أسلوب صناعة الأوبريتات الوطنية وتوظيف عناصر التراث في صور جديدة منذ " مذكرات بحار"(1979) لشادي الخليج وسناء الخراز وهي الملحمة الرائعة التي كتبها محمد الفايز إذ تعد شامخة ضمن الملاحم الشعرية في منتصف القرن العشرين إلى جانب ما قدمه الشعراء العرب مثل بدر شاكر السياب وأدونيس وصلاح عبد الصبور.