إذا كان أهم اكتشاف في حياة الجيولوجي النيوزلندي فرانك هولمز (1874-1947م) هو اكتشاف النفط بعد أن مسح أكثر من مساحة لأراضي بلدان الخليج وتعثرت محاولات التنقيب الأولى بآبار ارتوازية، فإن أهم اكتشاف في حياة جيولوجي موسيقى الخليج أحمد باقر (1929-2011م) هو قالب "الأغنية" وتوظيف الكثير من تراث الجزيرة العربية من فنون السواحل والقرى والصحارى في هذا القالب. هذا الشاب الكويتي الذي قادته الهندسة إلى الولع بالموسيقى، والعمل في شركة نفط أتاح له شراء عوده الأول، وعمله في الميناء قاده إلى التعرف على مركز رعاية الفنون الشعبية، وعمله في المركز أتاح له فرصة السفر إلى مصر للدراسة في معهد الموسيقى العربية دارساً كل سنتين في سنة، وعندما عاد انتقل الإذاعة التي أتاح له العمل فيها إلى بلورة مشروع إنشاء مؤسسة تعليمية للموسيقى. إذ يعد باقر معلماً نموذجياً في كل ما عمل.. فهو الذي أسس ما اعتمد عليه من قالب لاحقاً –أقصد الأغنية- بل إنه وراء ترسيخ أسلوب تلحيني يعتمد توظيف الموتيف الغنائي(الفكرة اللحنية الرئيسة) من التراث في قالب جديد عام 1956، وهو عضو تأسيس المجمع العربي للموسيقى التابع لجامعة الدول العربية عام 1971، وهو أيضاً وراء تأسيس أول مؤسسة تعليمية موسيقية هي معهد الدراسات الموسيقية 1971-1972، وتكريس صورة الأوبريت ( دراما غنائية ساخرة) 1975، وهو من سعى لإنشاء فرقة موسيقية وطنية للكويت حتى نفذ الأمر بإنشاء فرقة أحمد باقر للموسيقى العربية عام 2011 ودشنت أولى نشاطاتها.. إذن فهو المسؤول الأول عن تحويل منقولات التراث في الجزيرة العربية لكثير من الفنون الأدائية في أنماطها الغنائية البدوية والريفية والساحلية والجبلية إلى قالب "الأغنية" منذ أن تخطى محاولات كل من سعود الراشد وأحمد الزنجباري فأنجز عام 1956 أغنية" لي خليل حسين" (وأداها شادي الخليج عام 1960)حيث اعتمد على مقتطع من عمل موروث من فن اشبيثي(من فنون البحر فترة تجهيز رحلة الغوص): " لي خليل حسين /يعجب الناظرين جيت أبغى وصاله / كود قلبه يلين" وهو فن يعتمد على لعبة الدوائر الطويلة المغلقة في اللحن والأداء والإيقاع المركب عبر نص شعري عمودي ولحن يمتد بطول البيت الشعري، ويتطلب جهداً في الأداء الفردي فما بال الجماعي منه أصعب. وقد ترك للكورس أداء المقطع المجزوء من الموروث وأما شادي الخليج فلحن له أغصاناً( مقاطع متوالية) تختم بذات المقطع الذي يؤدي الكورس، وهي المقاطع التي تبتدئ بالتوالي "القمر طلعته ، صادني في هواه، في حديثه فتون ، يا نديم الشراب". وقد حققت الكثير للمغني الشاب آنذاك شادي الخليج(عبد العزيز المفرج)، وكان هذا العمل قبل أن يذهب باقر إلى القاهرة ليكمل تعليمه الموسيقي، غير أنه كان مسؤولاً في مركز رعاية الفنون الشعبية كما أنه كان يدرس ويشرف على المدرسين فيه.