منذ أن وضعت أغنية " لي خليل حسين"(1956) (أحمد العدواني- أحمد باقر) لشادي الخليج فاعتبرت نواة تطور الأغنية في الكويت، وهو ما انسحب على كامل مناطق الخليج العربي بما فيها اليمن . ويمكن عد فترة الستينيات مطبخاً –إذا جاز الوصف- فنياً انصهرت فيه مواهب كبيرة في كتابة الأغاني والألحان وحناجر كتبت أداءات جديدة. فحين ظهر كل من صوتي شادي الخليج وغريد الشاطئ أزاح بصراع خفي في أحيان وفي سواها كان علنياً جيل سعود الراشد وعوض دوخي وعائشة المرطة الذي كان يمثل امتداداً تحايلياً لكل من المغنين القدامى مثل عبد اللطيف الكويتي ومحمود الكويتي وعبد الله فضالة وعودة المهنا. وهذا ما أعطى فرصة انطلاقة الأصوات الرائعة مصطفى أحمد وحسين جاسم ومن ثم عبد الكريم عبد القادر ،وظهر إلى جوارهم كتّاب أغنية مثل بدر بورسلي ومبارك الحديبي ويوسف ناصر كذلك ملحنون مثل غنام الديكان وعبد الرحمن البعيجان ويوسف المهنا وخالد الزايد. وسأتوقف عند الشاعر مبارك الحديبي باعتباره أحد آباء الأغنية الستينية في الكويت، وقد كون ثنائياً ناجحاً مع أكثر من ملحن في أكثر من فترة ، فقد كون في البداية ثلاثياً مع المغني مصطفى أحمد والملحن غنام الديكان، وقد أعاد هذا الثلاثي في أغنية الثمانينيات مع الملحن عبد الله الرميثان والمغني نبيل شعيل. ولعل المناسبة هي حكاية الدور البارز للحديبي في ورشة الغناء القائمة عند كل ملحن حيث استطاع الحديبي أن يسهم في أغنيات من خلال مشاركة جماعية عوضاً عن أنه يمكن الحديث عن طريقة صناعة الأغنية آنذاك. ويمكن البداية من مشهد مهم حين واجه لجنة إجازة النصوص في الإذاعة عندما ناقشوه في نص أغنية " قال أحبك أويلاه" في مقطعها الثالث حيث استفسر كل من الشاعر عبد المحسن الرفاعي وعبد الله فضالة عن غموض عبارة " لما أسلم أسلم" من المقطع الثالث: " شوف عيوني ولاحظ ايدي..لاحظ ايدي في السلام لما أسلم أسلم..ايدي في ايدينك تنام .." حين استنكر الرفاعي تلك اللعبة البلاغية في الجناس اللفظي التي فطن لها فضالة حيث استخدم يديه ليمثل حالة التفرقة بين السلام في الأولى والاستسلام في الثانية. ومن ذلك الإيذان بمرحلة جديدة في كتابة الأغنية ليس في معناها بل حتى في أبنيتها وأشكالها، واستعراض نماذج من تلك الأغنيات تتيح لنا فرصة التأكد أن هذا الجيل منح الأغنية الكويتية صورتها القومية : استثمار اللهجة الكويتية المدنية. توظيف الأوزان بصور مجزأة ومركبة. تنوع المواضيع وطرق معالجتها. ولا أدل على ذلك سوى أن أسوق مثالين عمليين ، فالأول أغنية "يا ويلك من الله" لحنها عبد الرحمن البعيجان لحسين جاسم، وتقول كلماتها : "يا ويلك من الله جذي تسوي فيني أملت أنا قليبي ..وظنيت إنك تبيني وتاليها يا روحي جذي تسوي فيني ما تنشف الدمعة إلا برضاك وودك وأشواقي متجمعة ..قلبي ترى هوعندك من جمعة لي جمعة قاعد وانطر وعدك" إذا تجاوزنا إيقاع الغناء الراقص المستحدث من مشتقات الإيقاع السواحلي، وسيناريو الأداء بين الصوت المنفرد والكورال سوف نرى في النص في سطوره الثلاثة الأولى ينبى على مجزوء وزني ثم في الثلاثة اللاحقة تنتقل الأعجاز الثلاثة ( الأشطر الثانية) بسبب القافية ( ودك / عندك / وعدك) إلى وزني مركب بقدر ما يوحي أنه ترفيل( زيادة في التفعيلة الثانية من الشطر). وفي أغنية " أنا يا خلي" (لحن يوسف المهنا، غناء عائشة المرطة) وضعها في قالب تناظري ( عمودي) ولكن في بحر غير مستخدم في تاريخ كل الأشعار النبطية، وهو مركب من تفعيلتين ، ويعد من منتجات الحضارة العربية الوسيطة ( العباسية) : "أنا يا خلي ما قصرت ..مير البخت فيني قصر يللي تقول اللي تغيرت..من هو اللي فينا تغير" وقد وضع لها المهنا لحناً على إيقاع السامري. وهو ما دفع بدر بورسلي إلى استخدامه عندما كتب أغنية " مسموح" ( لحن غنام الديكان ، غناء غريد الشاطئ).