أعطى التصريح الرسمي بانضمام المملكة لمنظمة التجارة العالمية بنهاية السنة الميلادية الحالية خلال زيارة سمو ولي العهد الرسمية للولايات المتحدةالأمريكية البعد السياسي المهم والذي يدل على وعي القيادة بأهمية سرعة الانضمام للمنظمة. ولقد كثرت الكتابات حول الفرص والتداعيات والآثار والمخاطر المرتبطة بانضمام المملكة للمنظمة كون التداعيات متشعبة والآثار ستنعكس على مستويات كبيرة على اقتصاد المملكة ولكن ما يهمنا في هذا التحقيق هو التركيز على المواطن والمستهلك السعودي ما هو المردود الإيجابي والسلبي الذي سينعكس على مستوى دخله البسيط؟ وما مدى تمتعه بالفوائد التنافسية التي ستعرض عليه من الفرص المتعددة؟ وهل فعلاً الافتراضات التي نسمعها بين الحين والآخر من دخول أسواق المملكة لسلع محرمة شرعاً؟ هذا ما سنعرفه من خلال التحقيق التالي. يوضح في البداية الأستاذ الدكتور عبدالرحمن بن يوسف العالي عميد معهد الأمير عبدالله للبحوث والدراسات الاستشارية بجامعة الملك سعود بقوله ان المملكة تعتبر ثاني أكبر سوق حر ومفتوح خارج المنظمة في العالم بعد روسيا، وتأتي في المرتبة العشرين إلى الخمس والعشرين تقريباً عالمياً من حيث الصادرات والواردات وبالتالي فإن سوق المملكة كبير ويهم المصدرين العالميين. ويرى العالي أن مسألة دخول المملكة لعضوية المنظمة ليس سؤالاً يستحق الطرح، فلو اعتبر أن منظمة التجارة العالمية ناديا فإن دخول المملكة في هذا النادي فيه التزامات وفي المقابل ستجني من المكاسب أكثر من التكاليف. وعن دخول أسواق المملكة لسلع محرمة بعد انضمامها للمنظمة فيطمئن العالي القراء بأن هذا لن يحدث ولن تدخل السوق السعودي سلع محرمة كونها تخضع للمادة 20 من اتفاقية الجات التي تعطي المملكة حق منع دخول سلع معينة لأسباب ومنها الذي يتعلق بحماية أخلاقيات وقيم المجتمع. انفتاح اقتصادي عالمي وعن الفوائد الإجمالية التي ستعود بشكل عام لاقتصاد المملكة بعد عضويتها في المنظمة يقول د. عبدالرحمن بأن لها فوائد عدة فهي ستحمي المملكة من الممارسات التجارية التمييزية التي تمارسها الدول الأخرى من خلال تسريع الاعتماد المتبادل واستخدام اجراءات معالجة الخلافات لتسوية المنازعات التجارية مع الدول الأخرى، وكذلك فإن المملكة لن تبقى عرضة لإجراءات مكافحة الإغراق أو الرسوم التعويضية إلا بما يتوافق مع أحكام المنظمة بل بدلاً من ذلك فإن صادرات المملكة إلى بقية الدول الأعضاء سوف تعطى معاملة الدولة الأولى بالرعاية، وإضافة إلى ذلك فإن عضوية منظمة التجارة العالمية ستسرع في عملية الإصلاح الاقتصادي الطموح الذي تعتزم الحكومة المضي فيه قدماً، وستضفي مزيداً من الانفتاح على السوق السعودي أما السلع والخدمات الأجنبية الذي من شأنه أن يساعد في التعجيل بعملية الخصخصة ويعزز مناخ الاستثمار في المملكة ويجعل المملكة موطناً جذاباً للاستثمار الأجنبي وفي المقابل وكأي عملية إعادة هيكلة اقتصادية فإن الصناعات والمنشآت والمنتجات غير الفعالة والضعيفة وغير التنافسية ستتأثر سلباً الأمر الذي ينبغي فيه على هذه الصناعات والمنشآت أن تبدأ في ترتيب أوراقها وأولوياتها واستراتيجياتها وتؤقلم نفسها مع الانضمام الوشيك. خدمات متعددة وأكثر كفاءة أما عن صلب موضوع تحقيقنا وهو العوائد الإيجابية والسلبية على المواطن السعودي فيقول العالي بنظرة مستقبلية تفاؤلية: ان الانفتاح الاقتصادي سيكون حافزاً للمنتجين والشركات السعودية ليصبحوا أكثر كفاءة ومقدرة على ما تفرضه الواردات من تحديات ويدفعهم لاغتنام الفرص المتاحة واستثمار المزايا النسبية وتنمية الصادرات الوطنية وهذا من شأنه أن يجعل المستهلكين المحليين في المملكة يتمتعون بفوائد الأسعار التنافسية والحصول على سلع ذات نوعية جيدة، كما أن فرص الاختيار من تشكيلة واسعة من المنتجات تكون متعددة. وقد بيّنت بعض الدراسات ان التجارة الخارجية للمملكة سوف تزيد بعد انضمامنا للمنظمة وهذا يصب في مصلحة المنشآت السعودية وبالتالي المستهلك العادي كما ان بعض المحللين ذكر ان نسب السعودة سوف تتحسن بشكل كبير مع الانضمام الذي يثبت ارتفاع نسبة السعودة في قطاعات اقتصادية محددة مثل قطاع المصارف وقطاع البترول والتعدين، أما في قطاع البنوك والخدمات المالية فمن وجهة نظر المستهلك السعودي فإن انضمام المملكة للمنظمة سيكون له تأثير على تحرير القطاع المالي وان التأثير سيكون إيجابيا وذلك بإطلاق تشريعات جديدة لتنظيم السوق المالي - بصفة عامة - الأمر الذي يؤدي لحماية المواطن والمستهلك وكذلك فإن المنافسة ستزداد وبالتالي فإن المستهلك سيحصل على أنواع متعددة من الخدمات - بعضها عالمية - وبتكلفة أفضل. أما على الصعيد التعليمي فيتوقع العالي أن تصبح فرص الحصول على التعليم العالي للشباب والشابات من جامعات أجنبية واردة بعد أن أدرجت المملكة قطاع التعليم العالي ضمن الخدمات المسموح بها للمستثمر الأجنبي ويؤكد ويطمئن العالي للمرة الثانية القراء بأن هذه الجامعات سوف تنشأ بحسب أنظمتنا ومناهجنا ستكون خاضعة لقيمنا وعاداتنا وتقاليدنا. حماية الاقتصاد الوطني وفي نفس السياق يتفق الدكتور عبدالوهاب بن يوسف القحطاني استاذ الادارة الاستراتيجية والتسويق المساعد بجامعة الملك فهد للبترول والمعادن مع د. العالي بأن الانضمام للمنظمة سيفتح الفرصة للشركات الأجنبية للمنافسة بمنتجاتها وخدماتها على مستوى العالم بما فيه السوق السعودية الواعدة، ويرى القحطاني بأنه لابد من تغليب فوائد الانضمام على تكاليفه لأن تطور الشركات التجارية والصناعية السعودية سيكون العامل الأقوى في المستقبل البعيد لتستطيع الاستفادة من الفرص التي يوفرها الانضمام في المدى الاستراتيجي الطويل. ويؤكد القحطاني على ضرورة تطوير منشآت القطاع الخاص السعودي الى المستوى العالمي لتحافظ على سوقها المحلي وتخترق الأسواق العالمية المتاحة بما كونته من قدرات تنافسية، وسيتيح الانضمام المزيد من القوة التنافسية للشركات السعودية العملاقة مثل شركة سابك وذلك عندما تفتح الدول الأعضاء اسواقها أمامها بدجة أكبر من غير تمييز بينها وبين الشركات البتروكيماوية لتلك الدول، ويلاحظ بروز شركات عائلية سعودية في الأسواق العالمية والانضمام لعضوية المنظمة سيزيدها قوة تنافسية للتوسع في اسواق لم يكن باستطاعتها الدخول فيها قبل انضمام المملكة. ويعدد القحطاني في مضمون حديثه عن فوائد الانضمام لعضوية المنظمة على الاقتصاد السعودي وبالتالي المواطن السعودي فيرى أن مستوى الانتاجية والجودة للمنتجات والخدمات السعودية سيفتح الآفاق أمامها في الأسواق العالمية إن هي طورت نفسها في مختلف الجوانب التنافسية مثل الجودة والكفاءة الإنتاجية والابتكار والإبداع في البحث والتطوير وحسن معاملة الزبون لأنها عوامل قوية أساسية لكسب المميزات التنافسية واستدامتها وسيكون باستطاعة المملكة حماية الاقتصاد الوطني من الممارسات التجارية غير العادلة مثل الإغراق ضد منتجاتنا وخدماتنا في السوق السعودية، وكذلك الممارسات الاخرى ضد منتجاتنا خارج السوق السعودية مثل الحماية والدعم للمنتجات الأجنبية لتحصل على ميزات لا تحصل عليها المنتجات السعودية في تلك الأسواق فالمنظمة توفر آلية النزاعات التجارية بين الدول الأعضاء وتوفر المساعدة الفنية والقانونية للدول الأعضاء التي تحتاج لدعمها في هذا الشأن. الجودة والمنافسة العالية ويجب أن يدرك الجميع أن الانضمام للمنظمة حتمي مهما حاولت الدول تأجيله لأي سبب كان، ومن الطبيعي أن المواطن معني بالانضمام لأن الدول وشركاتها تتنافس للنفاذ الى اسواق العالم للحصول على الزبون الذي يعتبر المواطن في أي بلد في العالم، المواطن السعودي معني بلاشك بالانضمام الذي يعني الفوائد التي ستعود عليه نتيجة الانضمام والتكاليف التي سيضيفها الانضمام الى ميزانيته الشرائية عندما يفتح السوق السعودية امام منتجات الدول الأعضاء، ومن الفوائد التي سيجنيها المواطن خفض سعر السلع والخدمات نتيجة للمنافسة ناهيك عن استفادة المواطن من الجودة العالية لبعض المنتجات الأجنبية المنافسة، وستصبح القوة التفاوضية لصالح الزبون بدلا من الاحتكار الذي تمارسه معظم الشركات في السوق السعودية وعندما تصبح الخيارات كثيرة امام الزبون في السوق السعودية فإن القوة التفاوضية الشرائية ستكون قوة ضاغطة على الشركات السعودية والأجنبية لتحسين جودة المنتجات، بل ستسعى الكثير من الشركات على تمييز منتجاتها على منتجات منافسيها بأسعار منخفضة لتزيد من حصتها في السوق، لكن يجب أن نكون حذرين من عملية الإغراق التي تؤدي الى خروج عدد كبير من الشركات الوطنية الصغيرة والمتوسطة لأنها لا تستطيع خفض أسعار منتجاتها إلى مستوى منتجات الشركات التي تغرق السوق بمنتجاتها المتدنية السعر. تقلص البطالة ويتوقع القحطاني ان انضمام المملكة للمنظمة سيسهم في زيادة نسبة ادخار المواطن نتيجة توفيره نسبة من دخله عندما توفر له المنافسة سلعاً وخدمات عديدة بأسعار منخفضة مقارنة بما كانت عليه قبل حصول المملكة على عضوية المنظمة، كذلك أتوقع أن تقوم الشركات الأجنبية بتوظيف المواطنين خاصة في مجال التسويق ايمانا بالمبدأ القائم على أن (أهل مكة أدرى بشعابها) وهذا سيقلص نسبة البطالة التي تترك آثاراً اجتماعية خطيرة تهدد أمن البلاد. ولكن هناك نقطة أعتقد أنها ستؤثر بنسبة التكاليف على المواطن في حالة الانضمام حيث ستطبق حقوق الملكية الفكرية وبراءة الاختراع التي تحد من المنتجات المقلدة الرخيصة السعر مما يجعل المواطن الزبون يدفع اسعار السلع الأصلية التي تكون في الغالب مرتفعة. الطوفان الحقيقي ويركز د. القحطاني على نقطة مهمة وفي نفس الوقت تعتبر مصدر تشاؤم بالنسبة لمصير الكثير من الموظظفين السعوديين حيث يقول بأنه في حال احجم المواطن عن شراء المنتجات الوطنية لعدم قدرتها على المنافسة من حيث السعر والجودة فإنها ستفقد حصة كبيرة في السوق وبالتالي تخرج منه ويفقد عدد كبير من المواطنين وظائفهم في تلك الشركات، وسيزيد خروجها من السوق من معدل البطالة وتدني اجمالي الناتج الوطني مما يزيد من حدة الفقر بين الأسر السعودية التي فقد أفرادها وظائفهم التي يعتمدون على الله ثم عليها في جلب الرزق لهم، ولنأخذ على سبيل المثال الفلبين التي كانت دولة زراعية فاعلة وعلى مستوى عال من الاكتفاء الذاتي في المحاصيل الزراعية قبل انضمامها للمنظمة، حيث اصبحت اليوم من الدول التي تستورد المحاصيل الزراعية التي كانت تصدر الفائض منها الى جيرانها في حوض المحيط الهادئ. لقد زاد كل من معدلي البطالة والفقر بين المزارعين الفليبينيين بسبب عدم قدرتهم على المنافسة. أرجو ألا يكون الوضع بين المزارعين السعوديين مثله بين المزارعين الفليبينيين. ولنتصور لا سمح الله خروج شركات سعودية صغيرة ومتوسطة وربما كبيرة أيضاً من المنافسة لأنها لا تملك زمام المنافسة فإن نسبة كبيرة من السعوديين سيفقدون وظائفهم على المدى البعيد وربما على المدى القريب اذا لم تستطع شركاتنا الوطنية الصمود أمام طوفان المنافسة بعد الانضمام للمنظمة. وعندما أصف المنافسة بالطوفان فإنها حقيقة لأن الشركات الأجنبية تنظر لسوقنا السعودية بأنها واعدة ولا تتوافر فيها الضوابط الاقتصادية التي تحمي اقتصادنا الوطني بما فيه من مؤسسات وشركات من المنافسة الأجنبية التي تمتاز بالخبرة الطويلة في العديد من المجالات الصناعية والتجارية. ويتوقع الاقتصاديون ان اجمالي الناتج الوطني السعودي سينخفض بنسبة تتراوح بين 2,5 - 3,5 في المائة بسبب الانضمام لمنظمة التجارة العالمية، وهي نسبة عالية مقارنة بالنمو الاقتصادي المنخفض في السنوات الخمس الأخيرة، بحيث يتراجع النمو الاقتصادي وبالتالي يتراجع اجمالي الناتج الوطني بنسبة سلبية مقارنة بما كان عليه قبل الانضمام.