لا نلام اليوم في حزننا نحن السعوديين وأعتقد جازمة أن العالم يشاطرنا هذا الحزن العميق الذي خلفه فقد السلطان الغالي.. سلطان الخير ستبكيك اليوم كل عين نامت قريرة بعد عناء ، سينعاك كل من تقطعت بهم السّبل وتلقتهم يد الرحمن ليصلوا إلى دربك .. أياديه البيضاء يعرفها الجميع ومناقبه وأفعاله لا تغيب على أحد ولكن مالا يعرفه الكثير أنه أب يحمل في داخله مشاعر أبوية تطغى على أي جانب آخر.. القصص كثيرة لذلك الاحتواء العاطفي للأمير الإنسان ، ما ينقله الإعلام لا يعد شيئاً يذكر مقارنة بما تراه وتسمعه من تلك المشاعر المستفيضة لقلوب مكسورة ومحتاجة اقترب منها سلطان العطاء فداوى جراحها .. تأخذني الذكرى وتلوح بي مجنحة إلى أول لقاء بالأمير سلطان حينما شُرع باب الديوان الملكي ودخل علينا خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله -حفظه الله- والأمير سلطان -رحمه الله- وحيدين لا حرس ولا معية دخلا إلى المجلس الذي احتوى عددا من نساء وبنات هذا البلد تكريماً وتقديرا لهن واعترافاً بمكانة المرأة وعلو منزلتها لدى القيادة، توسطا المجلس وتحلقنا حولهما فرحات تماماً كما تجلس البنت بحظوة أبيها.. إنها فعلاً مشاعر لا يمكن أن تكون إلا لعظماء أحبوا شعبهم كأبناء لهم .. فأحبوهم بقلوب صادقة كان -رحمه الله - في ذلك المجلس مبتسما كعادته مشرقا يشعرك بالأمان ويعطيك مكانتك وكأنه يعرفك من سنوات كان يسألنا بكل تواضع عن أسمائنا وأماكن أعمالنا، كان يرد على أسئلتنا ويتجاذب معنا أطراف الحديث بكل أريحية وبما ينم عن علمه الواسع وثقافته المطلعة ، وزدنا شرفا وحبورا عندما عبر عن إعجابه وفخره بالمرأة السعودية وبما وصلت إليه وأنه يتطلع لها بمناصب مهمة لأنه على يقين بأنها تستحق .. وعندما لم تتمالك إحدى بنات وطننا دموعها وبكت اقترب منها وسألها عن مطلبها فأوضحت أن لقياه والسلام عليه كانت أمنيتها وأنها دموع الفرح بتحقيق أمنيتها وأكثر.. فقال: بل أنا من يسعد اليوم بلقياكم بناتي" تلك الأبوة الحانية وتلك الثقة والدعم الذي منحنا إياه -رحمه الله- كانت بالنسبة لي أكبر حافز في حياتي لقد أشعرتني بأهمية دوري كامرأة سعودية لها مساحة مشاركة وبناء كبيرة ، فهذا ولي العهد يقف إلى جانبي وذاك الملك المفدى- أيده الله- يشد على يدي وأنا لست إلا مواطنة أخذت الكثير ولم أعط بعد ! يحق لي أن أبكي وأن أحزن.. ولكنني أشهد الله وخلقه أن ثقتكم يا سمو الأمير في المرأة السعودية لن تخيب، وأننا سنظل على درب هداكم نسير.. وما نرصده اليوم من وقفات جليلة لرجل دولة وشخصية اجتماعية مسؤولة ليس إلا شذرات مضيئة في مسيرة حياتكم الكريمة . حتى بعد ذاك اللقاء المؤثر بعدد من السنوات رأيته بعد رجوعه من رحلة علاجه الأخيرة وبالرغم من تعبه وألمه إلا أنه لم يتوان في تقدير الجميع والسؤال عن الحال والأحوال ورسم الابتسامة على محياه الطاهر.. رفع الله درجاته وأسكنه فسيح جناته وجبر مصابنا في ولي عهدنا وأمير قلوبنا ووالدنا سلطان بن عبدالعزيز وحفظ الله خادم الحرمين وأمده بالصحة وطول العمر..