دعونا نكون صريحين: العالم يتغير بوتيرة غير مسبوقة، خصوصًا في مجال التسويق والاتصال. لم تعد الأسئلة التي نطرحها تدور حول الأدوات التي نستخدمها، بل حول شيء أعمق بكثير: كيف نحافظ على المعنى؟ كيف نروي القصة؟ كيف نرسل رسالة لا تُسمع فقط، بل تُحسّ؟ في السعودية، هذا السؤال أصبح أكثر إلحاحًا. فنحن لا نعيش مجرد تحوّل رقمي، بل نُعيد تعريف جوهر الاتصال نفسه. الذكاء الاصطناعي بات في كل زاوية من زوايا عملنا – من إنتاج المحتوى وتحليل البيانات إلى تصميم الحملات واختبار التفاعل. نعم، هذا التطور مذهل. لكنه يترك لنا سؤالًا لا يمكن تجاوزه: هل يستطيع الذكاء الاصطناعي أن يعوّض الدفء الإنساني في الرسائل؟ أن يفهم السياق المحلي؟ أن يقرأ ما بين السطور؟ الواقع أن الذكاء الاصطناعي قد يُجيد الكتابة بأسلوبك، ويقلّد نبرتك، بل ويبدو أحيانًا أكثر إقناعًا منك. لكنه لا يشعر. لا يملك نية. ولا يستطيع أن يكتب من القلب. وهذا ما يصنع الفارق الحقيقي بين رسالة تصل إلى صندوق البريد، ورسالة تصل إلى القلب. اليوم حيث تتشابك العلاقات الاجتماعية مع السلوك الاستهلاكي، لا يكفي أن يكون المحتوى مدروسًا أو منسقًا، بل يجب أن يكون نابعًا من فهم حقيقي، ومن إحساس صادق.. فالجمهور هنا لا يبحث فقط عمّا يقال، بل عن من يقوله، وكيف قاله، ولماذا الآن؟. الناس لم تعد تشارك الإعلان لأنها فقط أحبّت التصميم أو العرض – بل لأنها شعرت أن الرسالة تعنيهم شخصيًا. من هنا، لا يمكن النظر إلى التسويق والعلاقات العامة كمسارين منفصلين. بل هما وجهان لعملة واحدة. التسويق يُثير الانتباه، والعلاقات العامة تُبني الثقة. والتحدي الحقيقي هو أن ندمج بين علم البيانات وفن الحكاية – أن نستخدم أدوات الذكاء الاصطناعي بذكاء، دون أن نضيع الجوهر البشري للاتصال. وحتى المؤسسات الكبرى تدرك أهمية هذا التوازن. في تقرير مشترك بين Microsoft وLinkedIn لعام 2023، أشار 82% من قادة الأعمال إلى أنهم يؤمنون بأهمية تطوير مهارات الموظفين في استخدام الذكاء الاصطناعي، لكنهم – في نفس الوقت – يرون أن المهارات الإنسانية مثل سرد القصص، والتفكير النقدي، والتواصل العاطفي، أصبحت أكثر أهمية من أي وقت مضى. وهذا يعيدنا إلى جوهر المسألة: التكنولوجيا يمكن أن تسرّع وتُسهّل، لكنها لا تُلهم. الخوارزميات قد تكتب منشورًا مثاليًا، لكنها لن تفهم متى يكون الصمت أقوى من الكلام. ولن تعرف أن الاعتراف بالخطأ قد ينقذ علاقة بين علامة تجارية وجمهورها. فقط الإنسان يعرف متى يربّت على الكتف، ومتى يختار نبرة صوت تُصلح أكثر مما تُعلن. نحن لا نُسوّق منتجات فقط .. بل نروي قصصًا، ونبني ثقة. وفي عالم تسوده الخوارزميات، سيبقى الناس يتذكرون كيف جعلتهم يشعرون... لا فقط ما قلته لهم. وأنا شخصيًا أؤمن أن مستقبل الاتصال الناجح في منطقتنا لن يُبنى على من يُتقن الذكاء الاصطناعي أكثر، بل على من يُجيد استخدامه دون أن يفقد صوته و اصالته. التقنية ستستمر في التطور، لكن القيمة الحقيقية ستبقى فيمن يُحافظ على صدق الرسالة، وإنسانية الأسلوب، وعمق التأثير. تتفقون؟ *متخصصة في الاتصال الاستراتيجي والعلاقات العامة وإدارة السمعة