يوم أمس كان يوماً قاسياً والدموع تلمع في العيون وصوت النحيب الصامت يتأجج في القلوب . . وسلطان يوارى الثرى . . لقد كان سلطان بتواجده في قلوبهم أكثر من أمير أو ولي عهد أو مسؤول . . لقد كان سلطان الإنسان والخير والعطاء بغير حدود . . وبذل الغالي والنفيس في سبيل سعادة الآخرين . . متجرداً من ذاته بل وراحته حتى يهنأ شعبه بالعيش الكريم . . لا تغفل عيناه عن كل محتاج وصاحب سؤال . . ولا يهدأ له بال حتى ينام الآخرون قريري العين . يوم أمس . . فقد ذلك المسن وتلك المرأة العجوز وذلك المحتاج طلة سلطان عليهم يتفقدهم ويسأل عن أحوالهم ومعيشتهم . . يوم أمس خبت أضواء كل الشموع الساطعة بضوء سلطان عليهم . . يوم أمس عرف الوطن والشعب معنى أن تفقد عزيزاً . . وأن تودع حبيباً في القلب إلى مثواه الأخير. . يوم أمس كان يوماً فاجعاً لكل القلوب حزناً على سلطان صاحب القلب الكبير والنفس الوادعة والأيادي الممتدة إلى كل ما هو جميل في هذه الدنيا الفانية. كم من نفس بكت سلطان وكم من نفس أبكت سلطان فأمر بكفالتها أو علاجها أو إعانتها أو إغاثتها أو الأخذ بيدها إلى الحياة الكريمة . . وكم من نفس دعت ربها بصمت وتجرد وخشوع تام أن يودع هذه النفس الطيبة في جناته . . يوم أمس ودع العالم سلطان وهم يذرفون الدمع على رحيله . . وودع العالم رجل عرف عنه كل صفات القائد والدبلوماسية وسفير الإنسانية وصاحب كلمة الحق في كل الشؤون . . يوم أمس ودع العالم قائداً عسكرياً اتصف بكل صفات الفروسية والشهامة والعفو عند المقدرة . . يوم أمس بكت كل الأنفس التي كانت تتوق إلى عودته . . فعاد الخبر الحزين . . وما أشده من حزن . . ولوعة وفراق. عرف صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بالإنسان قبل القائد، والدبلوماسي قبل القيادي، والسفير لبلده في كل المحافل، والإعلامي الفذ، والعقلية المفكرة الواعية، والإنسان الحريص على وطنه، والطامع في أن يكون الوطن في أول الركب ولا يرضى بغير ذلك بديلاً . . والحريص على أبنائه في حلهم وترحالهم، متفقداً إياهم وسائلاً عن كل ما يواجهونه من مصاعب، ناصحاً لهم في التمسك بمخافة الله وكتابه الكريم والعمل بما يرضيه ويرضي وطنهم وأسرهم، وكان دائماً ما يحرص في كلامه التأكيد على أنهم يأتون من وطن كريم وأنهم سفراء لدولة عظيمة حباها الله بكل ما هو جميل من دين وقيادة وشعب. عرف سلطان وهو أول السباقين في التوجيه بإغاثة من أصابته نكبة في كل دول العالم من شمالها الى جنوبها ومن شرقها إلى غربها، عرف سلطان كما عرفه شعبه كالجبل الشامخ في كل صغيرة وكبيرة وشاردة وواردة، ودانية وقاصية. يوم أمس كان موكباً مهيباً وهذا الجموع الهادرة تودع سلطان . . إلى مثواه الأخير . . إلى رحمة الله عز وجّل . . فكل نفس ذائقة الموت ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام.فسبحان الحي الذي لا يموت.