هل يبقى الموروث الشعبي والتراث رجالياً ؟سؤال يفرض نفسه يومياً على المتلقي وهو يتابع و يطالع ما يقدم عبر منافذ النشر والبث والمساهمين في ميدان الموروث الشعبي والتراث .إنه بالفعل رجالي حقاً. فلعل ما يلفت الانتباه ويجدر بنا أن نلحظه ، هو أن التراث الشعبي أو جل التراث والموروث الشعبي بكل أنواعه وتفاصيله منذ زمن ليس بالقصير كالرواية والقصة والبرامج الشعبية وما تتضمنه من تنوع والبرامج الإذاعية ومن بعدها التلفزيونية والعديد مما يضاف لذلك لم تكن مشاركة المرأة فيها إلا نادراً أو نستطيع أن نقول عنها معدومة فيما مضى . إنها معدومة تماما إلى وقت قريب ، فبرنامج البادية مثلا يساهم فيه شعراء ورواة من الرجال فقط وإن كان يستمع إليه جميع من يميل إلى ذلك داخل الأسرة سواء رجالًا أو نساء أو شباباً فالتلقي شيء ، وتقديم العمل شيء آخر . وقد مضت سنين طويلة وبرنامج البادية تحديداً يقدم المنوعات من القصص الشعبية وكذلك الشعراء ومشاركاتهم دون أن يكون للمرأة نصيب في ذلك لا تقديًما ولا مشاركة من بعيد ولا قريب ولا حتى إعدادًا وكأن التراث والموروث الشعبي والحالة تلك يأخذ الصبغة والصفة الذكورية الرجالية ، أو هكذا تعودنا عليه ومن ذلك أيضًا المتاحف التراثية الشخصية فقد اهتم الرجال بها كثيرًا وصارت هواية لبعضهم يجمعون فيها مختلف أنواع التراث ويخصصون لها مكانًا حتى في منازلهم ، ولهم مساهمات كبيرة في النشر في حين ينحسر دور المرأة ولا يكاد يذكر لها مساهمة ، وإن ساهمت فباسم مستعار في مجلة أو صحيفة أو على مستوى ضيق جدًا ، مما يقلل من تأثيرها و دورها الذي تنشده. ويجري كل هذا باختيار من الجميع الرجال والنساء إذ لم يفرض هذا الوضع فرضًا ولكنه تشكل على هذا النحو وللمجتمع ضمناً دور كبير في مثل هذا التشكيل ، ولعل قائلاً يقول: إن الفرصة متاحة للرجال أكثر من النساء والظروف مهيأة لهم أكثر . نعم هذا صحيح ولكن الواقع يؤكد أن العزوف جاء من النساء وأن التراث والموروث الشعبي كله كان ميدانًا رجالياً بشكل تلقائي أو أنه بالأحرى لم يكن بمقومات تشد العنصر النسائي أو ترغب فيه ، فالقديم لم يحظ بالبريق الكافي في وقت مضى ولم تكن له عوامل جذب مهمة لا مادية ولا معنوية تستطيع استقطاب الفئتين الرجالية والنسائية على حد متساوٍ . ولهذا السبب وغيره صار من المستغرب أن يقدم التراث أو جزءاً منه من قبل العنصر النسائي ، وقد عرفت النساء هذا من أنفسهن ولم يشاركن فيه وتركنه كما هو رجالي ، وكلما تقدم الزمن وتقادمت عليه الأيام زادته تأصيلًا على وضعه الذي تعوده المتلقون حتى تولدت قناعة بأنه يخدم من قبل الرجال .حتى أن شاعراً لما ظن بأن امرأة تستمع للربابة قال فيها : يا بنت لا يغريك جر الربابة تراه جلد حوير فيه عودان يقصد أن حقيقته لا يفترض أن تشد السامع ولا تأخذ بلباب قلبها وهو نوع من الترفع عن الاستماع لصوت اللهو خوفًا على المرأة أن تغريها أصوات الطرب وهو لا يليق بها ، كذلك فإن معظم ما يؤنس به في هذا الجانب كان شعر غزل فزاد الطين بلة والبون بعدًا والتباطؤ فيه رفضًا. كل هذا ونحن نعلم أن في النساء عدداً كثيراً من الشاعرات برعن في ميدانه منذ الجاهلية وفي الإسلام أيضًا ولهن شهرتهن وأيضا يشارك بعضهن في الأفراح والمناسبات بالموروث كاملًا وقد نقلن لنا جله من لباس وزينة ولغة ومصطلحات وروايات وحكايات كما أن الجدات وكبيرات السن تحديدًا ينقلن لأولادهن الصغار خاصة والكبار أيضًا شيئًا كثيرًا من الحكايات والأمثال الشعبية ولكن بشكل منفرد وعلى هيئة سوالف داخل الأسرة كدوائر نقل وبث منفصل عن بعضه ، و ليس على سبيل النشر في دائرة أوسع من ذلك. وبالتالي فهي مساهمة في الظل لها أهميتها ولكنها بقيت متوارية ، ولكنه لا يصعب أن ندرسها ونتوقف عندها ونعطيها حقها. وفي الآونة الأخيرة وبعد هذا المد الملاحظ والانتشار للشعر الشعبي والبرامج والمهرجانات التراثية والموروثات الشعبية التي يرعاها بالطبع عنصر رجالي وتشجيع الهيئات والمؤسسات المنوط بها الاهتمام بالتراث والموروث الشعبي بدأت المرأة تأخذ ميلًا حقيقيًا للمشاركة بقدرات مؤقتة ومحدودة ولكنها تثبت أن هناك تحركاً من قبلها ، تغريها أمور كثيرة نحو التوجه للتراث والموروث الشعبي بكل أنواعه وأهم تلك المغريات : التواجد في دائرة الضوء أو الإغراء المادي الذي قد يحقق لها كسباً من خلال قصيدة أو تقديم عمل تجيده مع المحافظة على دينها وحشمتها وتقاليدها ، كما هو الحال في المسابقات حول الأكلات الشعبية وبيعها ونقش الحناء وتفصيل وبيع الملابس القديمة وتقديم القصائد على مستوى السباقات والمشغولات والحرف القديمة ورسم اللوحات الشعبية التي تحكي تراث الأمس وموروث الأجداد. وبعض هذه المشاركات مساهمة جيدة ومناسبة ، ولكن بعضها وهو قليل يعد تقليدًا ضعيفاً ، حتى أن بعض البرامج الشعبية قد تشارك فيها المرأة فتقدم شعرًا شعبيًا باعتباره عملًا نسائيًا لكنه لم يوفق بسبب خلفية المتلقي الذي تعود على أن يكون العمل رجالياً من ناحية ، وبسبب ضعف مستوى من يقدم البرامج الشعبية من النساء لعدم تأهيلهن في ذلك وعدم إلمامهن به أيضًا وربما يقدم من قبل غريب حتى عن البيئة ذاتها ، فبيت الشعر ينطق مشوهاً مما يستدعي ابتعاد من لا يجيد ذلك . ولعل دواعي الإقبال من قبل البعض وخاصة العنصر النسائي على مثل هذا المجال بعد البعد الزمني الشاسع هو أن المسابقات مربحة ، وكذلك المهرجانات التي تقدم فيها الحرف الشعبية والأكلات والمنتجات اليدوية وغيرها وكذلك اللوحات والرسومات التي تعبر عن التراث والموروث والتي كلها تعمل من قبل المرأة بحكم ما لديها من خبرات أو هوايات وقد أتيحت لها فرصة التواجد في موقع المساهمة ولكنها لا تزال تركز على الجانب المادي الذي إن لم ينجح نجاحًا مشجعاً فإنه سيتسبب في التراجع من جديد . عكس مساهمة الرجل حيث يمارس العمل كهواية قد لا تعود عليه إلا بالخسارة وتكبد المشقات لكنه يقبل عن قناعة منه لاستناده على الإرث التاريخي الذي حظي كمجال رجالي .