لو أردنا العودة قليلاً للوراء.. لنتخيل بعضاً من ملامح الأسواق التي كنا نرتادها مع أهالينا ونحن صغار.. قد تسعفنا الذاكرة ببعض المشاهد التي ما زالت نختزنها حتى اللحظة.. أحد تلك المشاهد الباسطات الصغيرة على طرف الرصيف المطل على شارع فرعي يجتمع فيه أبناء الحي للعب كرة القدم، حيث كانت تعرض فيها الأقمشة الحريرية السادة والأقطان المشجرة الخفيفة، وعلى الواجهة الأخرى تطل عليها معارض متجاورة بمساحات ضيقة اضطرت البائعين فيها لعرض بضائعهم المتنوعة خارج حدود الفاترينة الزجاجية، وهي متدلية من فوق "علاقة" خشبية غليظة. وبينما نحن نسير فوق ممرات الأسواق المتعرجة نسابق الخطى، نراقب بنظرات أعيننا مشاهد الملابس المزركشة المتشابهة قليلاً في موديلاتها الكلاسيكية الخالية حتى من مجرد إضافة "كشكة" على طرف الفستان، أو "دانتيل" على الكم، وتشاركها في المساحة نفسها ملابس للصبيان رسمية إلى حد كبير تتناسب ومواصفات الجيل في ذلك الوقت، وعلى بعد مسافة أمتار تتراص مجموعة من الألعاب البلاستيكية فوق بسطة تستند بالكاد فوق مجموعة من الأخشاب السميكة، افتقدت وقتها تلك الألعاب لكل وسائل التقنية الحديثة ك"الريموت"، والتي كانت تحاول أن تصمد بين أيدينا الصغيرة، قبل أن تتحول إلى مجرد أشلاء يصعب إعادة تركيبها من جديد، وعندما كان يتسلل الينا الشعور بالملل والسأم ويعلو أنين الشكوى من مواصلة هذا التسوق التقليدي وقتها سواء؛ بسبب حرارة الجو أو لحاجتنا للترفية من عناء التسوق, والذي كان متوفر وقته في أبسط صوره سواء على شكل بالون ملون مربوط على معصم اليد، أو شراء حلوى القطن الوردية اللون المحفوظة داخل كيس بلاستيكي شفاف والتي كان وقتها يعرضها أحد البائعين المتجولين. أم تتابع مراحل حلاقة شعر ابنها وهو ليس متاحاً إلاّ في السوق نقلة حضارية باتت تعيشها الأسواق في الوقت الحالي "المولات" في مختلف مدن المملكة والاقتصادية منها على وجه الخصوص؛ فالتنافس على أشده في تشيد أفخم المباني وتوفير الخدمات والمرافق العامة والتوسع الكبير في المساحات، واختيار أفخم الماركات العالمية لعرض بضائعها داخل معارض تجارية يرتدي البائعون فيها بدل داكنة اللون، ويتميزون باللباقة والذوق الرفيع، بالإضافة لتوفير الألعاب الترفيهية المكيفة والتي تعمل ببطاقات شحن ممغنطة، وصالات الأطعمة المتنوعة التي تقدم المأكولات السريعة أو الأطعمة التراثية, والمقاهي التي تتفنن بتقديم المشروبات الساخنة أو الباردة والتي تحمل أسماء أجنبية رنانة وتخصيص أماكن فارهة لعقد الاجتماعات لرجال الأعمال، وبعضها قام بتوفير عربات كهربائية لسهولة تسوق المسنين وذوي الاحتياجات الخاصة بين المعارض التجارية؛ في الوقت الذي يلفت إنتباهك عند مدخل "المول" الحراسات الأمنية التي تتميز بالقوة والمهارة وفنون التعامل مع "المتسوقين المراهقين" منهم على وجه الخصوص، ومحاولة استقطاب البرامج التسويقية للمنتجات الاستهلاكية والترفيهية المميزة؛ كعرض أكبر طبق شوربة ضمن برامجها خلال موسم الإجازات جعل المنافسة قوية بينها وبعض الموالات الأخرى؛ مما يمكننا القول أنها استطاعت سحب البساط من تحت أقدامها, ولا نغفل ذكر أنها باتت المكان المفضل والمتنفس الوحيد لتجمع الأسرة الواحدة والأصدقاء في نهاية الأسبوع. المولات وجهة العوائل خلال العطل والإجازات ويؤكد "د.صلاح الحربي" -أستاذ الموارد البشرية المساعد بمعهد الإدارة العامة بالرياض- على أن التطور الحضاري الذي طال "المولات" التجارية غيّر مفهوم ثقافة المجتمع عن سابقه، والتي استطاع المتسوقون نقلها من المجتمعات الأخرى وفرضها على المستثمرين الذين حرصوا على توفيرها عند بناء "المولات"؛ لأنها باتت عملية لمحاكاة العالم الأخر المتطور وأصبحنا نجد "المول" يوفر كافة احتياجات الأسرة والتي كانت تذهب في السابق لشراء ما تحتاجه وفي أضيق الحدود لندرة وجود خيارات وخدمات أخرى مساندة، متوقعاً أن يكون مستقبل "المولات" التجارية متطور بشكل مذهل عما عليها؛ لتشمل توفير مكاتب لكافة الخدمات الحكومية ومكاتب حجوزات الطيران وصوالين الحلاقة لتكون ضمن منظومة السوق التجاري. وأشار إلى أن احتياجات الناس للتسوق في ازدياد؛ مما يرفع مؤشر المشتريات الى أعلى درجاته، مرجعاً أسباب ضعف الإقبال التي تطال بعض "المولات" التجارية لعدة أسباب من أهمها غياب الحراسات الأمنية، ووجود بعض السلوكيات السلبية الخاطئة من المراهقين.