اوضح الدكتور عبدالله النعمي خبير القانون التجاري الدولي أن خفض التصنيف من قبل وكالة "ستاندرد اند بورز" Standard & Poor's للتصنيف الائتماني من التصنيف الممتاز (AAA)إلى الدرجة (AA+) يحرم الولاياتالمتحدة بشكل فعلي من المميزات الهائلة للتصنيف الممتاز ، والذي أعطى دائما للاقتصاد الأمريكي فوائد وامتيازات تفوق الحصر ويعطي لسندات الخزانة الأمريكية مصداقية وثقة عالية جدا . وقال " لو أردنا معرفة ما هي هذه الوكالة التي هزت بإجراء واحد منها أقوى اقتصاديات العالم ، فنوضح ذلك بأن وكالات التصنيف هي شركات عالمية مهمتها القيام بتصنيف السندات التي يجري تداولها في أسواق المال العالمية إلى درجات أو فئات ويجري هذا التصنيف استنادا إلى قدرة مصدر هذا السند على دفع أو رد قيمة هذا السند ودفع الفوائد المستحقة عليه في مواعيدها المحددة . أما درجات التصنيف المعروفة فهي كالتالي . : AAA هذا التصنيف يعني أن الحكومة أو الشركة المقترضة لها كفاءة عالية، وثلاثة A يعني أعلى مستويات الجودة. : AA+ يعني مستوى جودة عاليا ومخاطرة قليلة جدا.: A يعني مقدرة عالية على الدفع مع مخاطرة قليلة و: BBB هناك مقدرة كافية للدفع.: BBهناك احتمال لسداد الدين مع مخاطرة. و: Bهناك احتمال لعدم السداد، ومخاطرة عالية.و: CCCيوجد احتمال كبير لعدم السداد.و: CCأعلى درجات المخاطرة وعدم الالتزام. : وCقمة: المخاطرة.وD : هناك تعثر في السداد. ولا يكون هذا التصنيف إلا مع إشهار الإفلاس (Declaration of bankruptcy) أما لماذا عمدت وكالة "ستاندرد اند بورز" Standard & Poor's لخفض التصنيف لسندات الدين الأمريكي فقد عللت الوكالة سبب هذا التخفيض بأن الخطة المالية التي أقرها الكونجرس الأمريكي غير كافية لحسم أزمة المديونية الضخمة لأنها ببساطة لم تخفض الإنفاق بشكل مقبول حيث إن الخطة تخفض الإنفاق بحدود تريولني دولار في الوقت الذي ترى الوكالة أنه يتعين خفض الإنفاق بمقدار أربعة تريليونات دولار على الأقل . كما أن الوكالة أكدت وجود مخاوف حقيقة بشأن العجز في الميزانية الحكومية وارتفاع أعباء الديون ووجود "مخاطر سياسية" أمام رهونات العجز في الميزانية. وقد شككت الحكومة الأمريكية في صحة القرارات التي بني عليها هذا الخفض . وبعيدا عن تشكيك الولاياتالمتحدة في مصداقية الوكالة حيث اتهمت الوكالة ( بارتكاب أخطاء خطيرة في الحسابات تجاوزت تلك الأخطاء 2000 مليون دولار) إلا أن الوكالة التي تغطي 23 بلدا وتعمل منذ 150 عاما لها مصداقية عالية . ورغم استمرارها في إعطاء للتصنيف الممتاز للولايات المتحدة منذ نشأتها عام 1941 م . إلا أنها لم تكتف بذلك رغم الأهوال التي نتجت عن هذا القرار وصرحت الوكالة على لسان مديرها العام جون تشامبرز، بأن هناك فرصة "واحد إلى ثلاثة" أن يشهد التصنيف الائتماني للولايات المتحدة المزيد من الانخفاض خلال فترة 6 أشهر إلى عامين !!. ولم تكن وكالة "ستاندرد اند بورز" Standard & Poor's الوحيدة التي فعلت ذلك . فقد خفضت وكالة موديز Moody's ( التي هي أقدم وكالة تصنيف في العالم تأست عام 1917م) حيث خفضت توقعاتها للعلامة التي تمنحها للدين الأميركي إلى علامة "مستقرة" إلى "سلبية" وأبقت علامة التصنيف بمستوى AAA "إيه إيه إيه" وهي العلامة القصوى. حيث إن خفض التوقعات بهذا الشكل هو في الواقع إشارة واضحة من وكالة موديز إلى احتمال خسارة الولاياتالمتحدة لهذه العلامة في حال حدوث أي تراجع في الانضباط المالي في السنة القادمة أو في حال حدث تدهور للأوضاع الاقتصادية بشكل أكبر وهو الشيء المتوقع في ظل قراء آت أوليه للتعاطي الحكومي مع الأزمة . وهذا القرار يضع الولاياتالمتحدة في قائمة المراجعة لمدة قد تطول . في حين أن وكالة فيتش ريتينغز(Fitch Ratings ) فقد أبقت على التصنيف الممتاز (AAA) كما هو للولايات المتحدة . وعن التأثيرات المتوقعة لخسارة هذه العلامة الممتازة يقول النعمي " الحقيقة أن التوقعات كثيرة ولكنها متسعة وتصل إلى أبعاد كبيرة قد صعب تصورها في الوقت الحاضر . ولكن يمكن توضيح بعض المخاطر التي حدثت بالفعل أو وشيكة الحدوث فمن الناحية الأمريكية . فإن أشد لمخاطر المتوقعة هو دخول الاقتصاد الأمريكي مرحلة ركود وبالتالي كساد قد يكون القشة التي تؤدي مباشرة لإشهار الإفلاس . كما أن من التأثيرات القوية على الاقتصاد الأمريكي تمثل في ضياع الصدارة الأمريكية المطلقة وتصدر لدول أخرى كبريطانيا وألمانيا واليابان وفرنسا وحتى كندا لتكون من الدول الأكثر أمانا ومصداقية من السندات الأمريكية . كما أن من التأثيرات المباشرة لهذ الخفض ستؤدي إلى إرتفاع تكاليف الاقتراض الأمريكي حيث إن بنك "جي مورجان" (J. Morgan ) قد نوه إلى ان خفض تصنيف الولاياتالمتحدة الائتماني سوف يرفع تكاليف الإقراض بحوالي 100 مليار دولار سنويا، أما ارتفاع الأسعار للمستهلك فستأتي عن طريق اضطراب أسعار العملات حيث إن هبوط سعر صرف الدولار الأميركي مقابل العملات الأخرى(وهو نتيجة متوقعة ) سيؤدي إلى رفع سعر الواردات الأميركية وبالتالي ارتفاع الأسعار على المستهلك الأميركي، مع ما يعانيه أصلا غلاء و بطالة. وعن التأثيرات العالمية يقول النعمي " إنها أعقد وأكبر من أن يتم حصرها . حيث ارتفعت أسعار بعض المعادن إلى أرقام قياسية (الذهب مثلا وصل إلى 1700 دولار للأونصة لأول مرة في تاريخه المعروف ) وستليه بقية المعادن في الأيام والأسابيع التالية . وقد حدثت انخفاضات خطيرة في البورصات العالمية حيث أغلقت جميعها على خسائر تتراوح وصلت في بعضها بين 4.7 إلى 7.3 نقاط . وذلك بسبب تشابك وارتباط الاقتصاد الأمريكي بعدد من الاقتصاديات العالمية . وقد ظهر بشكل جلي التأثر حيث شهدت الأسواق المالية العالمية بحدوث تلك الانعكاسات الحادة والقاسية . حيث خسرت سوق الأسهم العالمية حوالي خمسة تريلونات دولار في أسبوع واحد فقط منذ إعلان الخفض . وقد تضررت بسرعة غير متوقعة كافة الأسواق المالية العالمية وظهر ذلك بجلاء أكبر في الرعب الذي شمل الأسواق الأوربية ( التي تعاني من صعوبات أصلا كأزمة اليورو وأزمات الجنوب الأوروبي وأزمة الديون السيادية وغيرها ) والاقتصاد الأوروبي بمعنى أو آخر اقتصاد عليل ولديه من المشاكل ما يكفيه ويخشى المراقبون من أن هناك مخاوف مبررة وحقيقية من أن يؤدي خفض التصنيف الائتماني للولايات المتحدة والاضطرابات الكبيرة التي سيشهدها الاقتصاد الأمريكي إلى خلق سلسلة من ردود الأفعال بأسواق السندات الأوروبية قد يؤدي بالنهاية إلى إفلاس دول كاليونان وإيطاليا وإسبانيا وإلى تسريع ظهور أزمة مصرفية عالمية متوقعة . بل وقد تؤدي إلى إفلاسات ضخمة في مؤسسات مالية أوربية إذا أخذنا بعين الاعتبار أن خطر تأثر البنوك الأوروبية بأزمة الديون السيادية الأوروبية لايزال يشكل أكبر الصعاب . مرورا بالأزمات التي يعاني منها الاقتصاد الأوروبي وعليه فإن المتوقع أن تهز هذه الأزمات مجتمعة النظام الاقتصادي والمصرفي الأوربي بشكل غير مسبوق . هذا في أوروبا .. أما في آسيا فإن الاقتصاد الآسيوي هو الخاسر الأكبر كما يقال في الكواليس ( ولا يعني ذلك إلا أن الجميع خاسر ولكن خسارة بعضهم أفدح من خسارة بعض ) وتتلخص الخسائر والتأثيرات في أن معظم سندات الخزانة الأمريكية بيعت لدول وصناديق سيادية آسيوية . وقد تتفاقم المخاطر والخسائر إذا عمدت هذه الدول أو الصناديق لسرعة التخلص من هذه السندات قبل أن تستقر الأسواق . أما عن تأثير ترابط الاقتصاد الأمريكي باقتصاديات آسيوية معروفة بل وربط بعض العملات بالدولار فأول ما يُخشى منه أن يجر الاقتصاد الأمريكي معه كثير من اقتصاديات الدول الآسيوية وخصوصا في اليابان ودول جنوب القارة الآسيوية إلى مصير الاقتصاد الأمريكي في الضعف العام أو حتى الركود وقد يجر الاقتصادات الضعيفة للإفلاس ولو لم يفلس الاقتصاد الأمريكي . حيث الملاحظ حاليا تأثر هذه الاقتصادات بمرحلة التذبذب الشديد ولعل شدة تأثر أسواق المال الآسيوية والعربية والعالمية خير شاهد على مدى التأثر . وتناول النعمي جانب تأثير هذه الأزمة على الاقتصاد السعودي فيقول " إن الاقتصاد لدينا بني على أسس راسخة وسليمة ورغم هذه التقلبات ورغم تأثر اقتصادنا بغيره طبيعي لكوننا نعيش عالما هو عبارة عن قرية وتأثر الجميع بالأزمات الدولية طبيعي خصوصا إذا كان مصدر الأزمة دولة تمثل قطب الاقتصاد العالمي ( أمريكا ) إلا أن اقتصادنا قوي ومتين ويسير على قواعد قللت إلى حد مقبول من المخاطر باستثناء مخاطر توسع بعض الشركات والصناديق والبنوك في الاستثمار الواسع في الأسواق الأمريكية. بالإضافة إلى مخاطر تثبيت سعر صرف الريال أمام الدولار وربط الريال السعودي به . في وقت يمثل هذا الربط خطورة على الاقتصاد السعودي لأنه وإن كان قرار الربط صالحا ومناسبا في ما سبق إلا أنه الآن ( وفي المستقبل القريب ) سيحمل تأثيرات قاسية وجوهرية قد تؤثر بقوة في قدرة الريال بل وقد تضر بسلامة ومتانة الاقتصاد السعودي .