هناك خلل بنيوي في بناء الاستراتيجيات في المملكة، يتمثل في أن الإستراتيجيات " الوطنية " التي ترفعها جهة معينة ويعتمدها مجلس الوزراء تمثل في الغالب رؤية مسؤولي الوزارة، ولم يقوموا عند إعدادها بالتنسيق الكافي مع وزارة المالية والجهات ذات العلاقة، وليست إستراتيجيات " وطنية " تتبناها الدولة بكافة أجهزتها وعلى رأسها وزارة المالية مما يجعلها قابلة للتنفيذ حتى لو تغير الوزير المعني وجاء وزير جديد برؤية مختلفة . في أكتوبر 2009م تم إعلان إستراتيجية التوظيف السعودية واعتمادها من مجلس الوزراء الموقر، وقد ذكرت في حينه ان الإمكانيات المادية والبشرية والتنظيمية في وزارة العمل لا تساعدها إطلاقا على البدء في تنفيذ الإستراتيجية وراهنت على أنه لن تتم خلال سنتين وهو الزمن المحدد لتطبيق المرحلة الأولى من إستراتيجية التوظيف السعودية السيطرة على البطالة كما نصت الإستراتيجية، بل إنه لن يتم تنفيذ ولا حتى 25 % من الآليات التي نصت الإستراتيجية عليها خلال المرحلة الأولى. ويبدو اليوم أن الاستراتيجية غير قابلة للتطبيق الفعال ولم نعد نسمع عنها فمعالي وزير العمل الحالي " نسف " تلك الاستراتيجية وأعد برنامج " نطاقات " المختلف عن إستراتيجية التوظيف السعودية . وأنا هنا لا أنتقد وزير العمل ولكنني أنتقد آلية إعداد واعتماد الإستراتيجيات فعلى سبيل المثال منذ أكثر من عشر سنوات بدأ الحديث عن «إستراتيجية الرعاية الصحية في المملكة» وفي 2003م صدر بمرسوم ملكي كريم بالنظام الصحي متضمنا إنشاء (مجلس الخدمات الصحية) وكانت أول مهمة للمجلس نص عليها النظام هي إعداد إستراتيجية الرعاية الصحية في المملكة تمهيداً لاعتمادها من مجلس الوزراء و في سبتمبر 2009م، اعتمد مجلس الوزراء الموقر إستراتيجية الرعاية الصحية وحين تم تعيين معالي الدكتور عبدالله الربيعة وزيرا للصحة بدأ العمل على إستراتيجية أخرى مختلفة تماما . وأرى من الضرورى قيام مجلسي الوزراء والشورى الموقرين بإعادة النظر في آليات إعداد الإستراتيجيات بما يضمن الإعداد الفعال والتنفيذ الصحيح لكل إستراتيجية وطنية يتم الإعلان عنها بعد أن يتم صرف الكثير من الوقت والجهد والمال عليها ، وينتظر المواطنون تنفيذها لحل أزمات معينة، وحتى لا يأتي وزير جديد فيكتشف أن الإستراتيجية التي أعدها سلفه غير قابلة للتنفيذ أساساً ويبدأ من جديد ومن الصفر !