ارتبطت مسألة الإجبار في الزواج بالمرأة، فهي الكائن الأضعف دائماً ولا تزال من بين هذه الدوائر.. الكائن الذي يسيّره الطرف الآخر كيفما شاء، وإجبارها على الزواج بمن يختاره والدها أو أهلها.. وفي هذا التحقيق نسلط الضوء على رجال «أزواج» كانوا هم الطرف الأضعف من قبل والديهم، حيث نقف على عدد من الزيجات التي تمت بإرغام الرجل من قبل والديه، أو أحدٍ من أهله على الزواج بامرأة لا يريدها.. مثل بنت العم، أو زوجة أخيه المتوفي من أجل تربية أولاده، والحفاظ عليهم.. لنتعرف على نتائج هذه الزيجات. أحدهم يتنقل بين الفنادق والآخر تزوج من امرأة أخرى ليغيظ والده.. والثالث ضرب زوجته انتقاماً إلحاح والدي في البداية قال «حمدان عبدالله» المتزوج منذ ست سنوات ولديه ابنتان «تزوجت وأنا في عمر الواحد وعشرين سنة، ولم أكن أريد الزواج حينها فقد كنت مثل أصدقائي أتطلع للحياة، ولدي أحلام أود أن أحققها فكانت مسألة الزواج صدمة بالنسبة لي، وحاولت أن أفهم والدي أني لا أرغب الزواج حالياً على أن يؤخر الأمر سنتين على الأقل إلاّ أن والدي رفض هذا الأمر تماماً، وكان يرى الزواج حصانة للشاب، وضغط والدي علي بشكل مزعج وساعدته والدتي وأعمامي حتى رضخت وتزوجت، وبسبب الارتباط المبكر غير الناضج مني أو من زوجتي كانت حياتنا كلها خلافات وأخطاء حتى فيما يخص تربيتنا لبناتنا، ومازلت حتى اليوم أعاني من توتر المعيشة بيننا، بينما أرى أصدقائي يعيشون حياة مستقرة نوعاً ما على اقل تقدير، بما أنهم اكتسبوا شيئاً من الخبرة قبل الدخول في معترك الحياة الزوجية». د.علوي: شاب طلّق ابنة عمه ثم عقد عليها من جديد كحل نفسي ليشعر أنه اتخذ القرار وأضاف: «لا شعورياً تحول رفضي للزواج لرفض زوجتي بذاتها وكأنها هي السبب في تدمير مشروعات حياتي، وتحملي تكاليف حياة اثنين ثم أربعة، وكنت اغضب مع كل حمل، حتى أني قاومت شعور السعادة بأول مولود وكأني أريد أن أبقى تعيساً طوال الوقت، وأصبحت شخصاً مضطرباً، معظم وقتي أقضيه خارج المنزل، وأنا هنا في الرياض أسكن فترات طويلة في فنادق، ولم أعد أعرف ما يرضيني». ما ذنبي؟ وكذلك حال «نواف» الذي زوجه والده وهو في العشرين من العمر من ابنة صديقه، رغم أنه أبلغ والده منذ البداية أنه لا يريد الزواج، علاوة على عدم قبوله للفتاة أثناء الرؤية الشرعية، إلاّ أن والده رفض وأصرّ على عقد قرانه، وتم الزواج بالفعل. وقال «نواف»: «من شدة رفضي لها عشت في غرفة منعزلة عنها لمدة عام كامل حتى اشتكتني لوالدتي التي أخبرت والدي فغضب جداً علي وأقسم أن يقطع علاقته بي، لا سيما انه في هذه الفترة كانت زوجة أخي الأصغر مني حامل، وبالفعل نفذت كلام والدي وأنجبت ثلاثة أطفال، والآن بعد مرور اثنتي عشرة سنة أبلغت زوجتي برغبتي في الانفصال؛ فأنا حتى اليوم لم اقبلها، واحزن عليها كونها أُثقلت بالأطفال مما قد يعرقل أن تبدأ حياة زوجية جديدة؛ فهي إنسانة ممتازة، وزوجة مطيعة ولكن نفسي تعافها، وأنا أود أن أتزوج في الفترة القادمة، وأتمنى أن أعيش حياة زوجية طبيعية». واعترف قائلاً «أنا كنت ضعيفاً أمام والدي ولم اتخذ القرار المناسب في الوقت المناسب، وبسبب هذا الضعف أفراد أسرتي الصغيرة يدفعون الثمن». فشل مستمر أما «محمد زيد»؛ فهو يعيش حالة نفسية متدهورة منذ أكثر من ثماني عشرة سنة؛ بسبب إرغام والده على تزويجه من ابنة عمه، وهو في الواحد والعشرين من عمره حتى انه لم يكن يعمل بعد، إلاّ أن والده تكفل به وبزوجته رغم مضي كل هذه السنوات، ثم تزوج من امرأة أخرى باختياره وعناداً لأهله الذين رفضوها رفضاً تاماً، إلاّ أن هذا الزواج أيضاً لم يرضِ نفسه، ولم يعالج جرحه الذي يصفه بأنه مازال ينزف. وقال:»بعض أخوتي يصفوني بالمرأة كون والدي أجبرني على الزواج من ابنة أخيه، بينما أخي الأصغر مني رفض الخضوع لأوامر والدي، معترضاً أن يختار والدي له حياته، فما كان من والدي إلّا أن غضب فترة على أخي، ثم عاد كما كان، ولكني أنا ضعيف الشخصية تمكّن والدي من إرغامي بالزواج من امرأة لا أريدها؛ ليثبت للناس ولأخيه انه يستطيع أن يفرض كلامه على أبنائه وانه مسموع الكلمة مطاع». وأضاف: «كلما أرى إخوتي أشعر باحتقارهم لي حتى عندما يجتمعون لمناقشة أمر يستثنوني، وكأن لديهم إيمان أنه لا رأي لي، وكرد اعتبار تزوجت من امرأة أخرى مطلقة وأكبر مني سناً، وزعمت أني أحبها وزاد تمسكي بها عندما رفضها أهلي؛ لأبين لهم قدرتي على فعل ما أريد، وأن ما حصل في الماضي كان بسبب صغر سني وليس ضعف شخصيتي، ولكني لم أنجح في الحياة الزوجية الثانية؛ لأني لم أكن مقتنعاً بها، فأصبحت أهرب من المنزلين، وأقضي معظم وقتي بما فيه النوم في الاستراحة التي تجمعني مع أصدقائي، مخفياً ما أعيشه عن أهلي حتى لا يزيد حديثهم عن ضعفي وعدم قدرتي على إدارة حياتي وأنا في هذا العمر، وعندما تدهور وضعي النفسي لجأت لطبيب معالج علني أتخلص من هذا الضغط النفسي الذي أعيش فيه، كما أن رؤية زوجتاي تشعرني بحالة غضب، وأعاني نفسياً من تعنيفي وظلمي لزوجتي الأولى وكأني احمّلها ما أنا فيه، والآن أحاول أن أتصالح مع نفسي بمساعدة الطبيب النفسي». الإرشاد الأسري ولتقديم حلول نفسية واجتماعية لهذا الموضوع، أوضح «د.علوي بن حسن عطرجي» -مستشار نفسي ومرشد أسري- أنه يمكن الاستمرار في مثل هذه العلاقة؛ بشرط إعادة التأهيل وبناء الرغبة الداخلية لديهم، من خلال البحث عن النقاط الإيجابية وتعظيمها في أنفسهم، وكذلك التخلص من الشعور السلبي أن القرار لم يكن بيدهم في البداية، ولكن الآن بيدهم»، مستشهداً أن أحد الأشخاص حضر إليه في استشارة مماثلة، وأنه أرغم على الزواج بابنة عمه وهي جميلة جداً وتكاد تخلو من العيوب، إلاّ أنه غير متقبل للأمر، وكان مصراً على الطلاق، وتوصلنا لاتفاق أن يتم الانفصال بطلقة واحدة، ومن ثم يتخذ قرار الارتباط بعقد ومهر جديد وبرغبة كاملة منه، وأن يتقدم هو نفسه بطلب الارتباط، وبناءً على رغبته الداخلية، وهذا حل الإشكالية الداخلية لديه أنه لم يكن صاحب قرار». وأشار إلى أن الحل الأمثل لمثل هذه الحالات هي الجلسات الإرشادية؛ لبحث إمكانية الاستمرار في العلاقة الزوجية مع متخصصين في جانب الإرشاد الأسري ومؤهلين علمياً في ذلك، وقال:»للأسف البعض يمارس الإرشاد الأسري بالبركة، ودون الاستناد لقواعد علمية». وفي سؤال..هل هذه الحالات كثيرة في مجتمعنا، أوضح «د.علوي» أنها ليست كثيرة بشكل مزعج، خاصة حالات الإكراه على الزواج؛ ولكن تبقى ارتداداتها النفسية أكثر إزعاجاً، وكثير منها يتم السيطرة عليه والبقاء في العلاقة؛ بسبب الضغوط العائلية، والسبب الأساس في مثل هذه الزيجات هو العادات والتقاليد، وأحياناً الدكتاتورية الأبوية التي تهمش أي مشاعر وتفرض سيطرتها ومصالحها الشخصية.