في الوقت الذي تشتد فيه الضغوط حول إسرائيل في خضم التغيرات السياسية التي تشهدها منطقة الشرق الأوسط، ووسط المخاوف من تأييد دولي لخطوة الإعلان عن دولة فلسطينية مستقلة في سبتمبر المقبل تحاول تل أبيب جاهدة الإسراع من خطاها نحو إفشال الخطى الفلسطينية التي بدأت تخطو خطى ثابتة بعد الإعلان عن توقيع المصالحة الفلسطينية بين حركتيْ فتح وحماس في القاهرة مؤخراً. ولا تتوقف وسائل الإعلام ومراكز الأبحاث الإسرائيلية عن طرح مشاريع وأفكار وهمية تروج من خلالها لأفكار معطلة لقيام دولة للفلسطينيين، وتسعى من خلال هذه الافكار لوأد فكرة قيام الدولة الفلسطينية المستقلة المقترحة. قبل أيام معدودة طالب رئيس "مجلس الأمن القومي" الصهيوني السابق الجنرال جيورا آيلاند، عضو معهد دراسات "الأمن القومي" في "جامعة تل أبيب"، بفرض ثلاثة شروط قبل الموافقة على إقامة دولة فلسطينية، لخصها بالتنازل عن حق العودة، وإقرار اتفاقية نهاية الصراع، والموافقة على يهودية "إسرائيل" , وتحت عنوان "الشرط الثالث" قال آيلاند في مقال نشرته صحيفة "يديعوت أحرونوت"، ، إن الدولة الفلسطينية، من دون أن يشير لحدودها، ليست ضرورة فحسب بل قيامها يعد مصلحة "إسرائيلية" . لكنه في المقابل انتقد مبادرة المثقفين "الإسرائيليين" لإعلان الدولة الفلسطينية الأسبوع الماضي، معتبراً أن دعوتهم استندت لفرضية رآها "خاطئة" وهي أن الشعب الفلسطيني ملّ الاحتلال ويريد إقامة دولة فلسطينية . وقال إن الجزء الأول من الفرضية صحيح لكن الجزء الثاني "خاطئ"، مشيراً إلى أن الرواية الفلسطينية تقوم على الرغبة في الثأر وعلى حق العودة إلى حيفا واللد لا لدولتهم . وتابع في إشارة للاستراتيجية المرحلية: "إن الرغبة بتأسيس دولة فلسطينية منقسمة جغرافياً بين الضفة وغزة لن تكون حقيقية ونهائية ومثل هذه الدولة لن تنهي الصراع وتحقق السلام" . وقال إنه في حال قامت دولة فلسطينية من خلال المفاوضات فإن على "إسرائيل" أن تفرض على الفلسطينيين التنازل عن حق العودة، وإقرار اتفاقية نهاية الصراع، والموافقة على يهودية "إسرائيل" . وتابع "يرفض الفلسطينيون التنازل عن هذه الأشياء ولذا هم متحمسون لإنشاء دولة فلسطينية من دون مفاوضات ومن خلال قرار أممي لا يضطرهم للموافقة على شيء" . وفي نظره فإن إصرار "إسرائيل" على هذه الشروط حيوي جداً . ودعا آيلاند إلى وثيقة دولية توقعها الدولة الفلسطينية تعترف فيها بيهودية "إسرائيل" وتعطيها "الحق" بتمكين يهود العالم من الهجرة إليها ومنع هجرة "الآخرين" في إشارة إلى اللاجئين الفلسطينيين أصحاب الأرض. وتابع: "يتحقق هذا المنع بطرق عدة، بينها حظر حيازة الفلسطينيين، وفقاً للاتفاقية، "مواطنة مزدوجة"، أي "إسرائيلية" وفلسطينية . وقال، في إشارة إلى وثيقة المثقفين اليهود الذين أعلنوا دعمهم لدولة فلسطينية، إن من يدعم قيام دولة فلسطينية بشكل أحادي الجانب يشجع الفلسطينيين على تحاشي قبول القرارات الحيوية جداً لتأمين مستقبل "إسرائيل"، وبذلك يزيد الخطر بأن مثل هذه الدولة ستكون مجرد مرحلة في الطريق للسيطرة على كل ما سماها "أرض إسرائيل" . وكان المعلق الصهيوني البارز يارون لندن وجه انتقادات مشابهة للمثقفين اليهود الذين أيدوا إقامة الدولة الفلسطينية، داعياً ل"خطة سياسية مركّبة: بدلاً من خطة "دولتين لشعبين" . وأشار لندن لعدم إمكان ضم الأراضي المحتلة عام 67 ، لكنه حذر من أن الانسحاب منها لن ينهي الصراع، ولن ينزع الكراهية العميقة في العالم العربي ل"إسرائيل" . وتابع: "الخلاص لن يتأتى بدولة فلسطينية وكل عاقل لا يستطيع أن يثق بأنها لن تجلب مصيبة علينا" . وما بين أفكار أيلاند ولندن يجد الفلسطينيون أنفسهم في أمس الحاجة لدعم عربي وإسلامي ودولي في كافة المحافل الدولية تمهيداً للموافقة على إعلان الدولة الفلسطينية خاصة إذا ما علمنا أن هناك مخاوف في تل أبيب من أن يحظى هذا المشروع بتأييد دولي واسع، وحينها ستجد إسرائيل ذاتها أمام أكبر معضلة منذ إعلان وجودها قبل ثلاثة وستين عاماً , فهل ينجح الفلسطينيون هذه المرة أم ستنجح مشاريع أيلاند ولندن ... سؤال ننتظر الإجابة عنه وتخوفنا منه كبير.