في الوقت الذي ينتظر فيه كثير من السجناء إطلاق سراحهم بفارغ الصبر؛ لا يزال معظمهم يعيش "صدمة الإفراج"، بدءاً من صدمة عدم تقبل المجتمع، وإعادة بناء الأسرة، ومروراً بتجاوز أزمتهم المالية، وانتهاء برحلة البحث عن وظيفة؛ مما يسبب غالباً ردة فعل عكسية للمفرج عنهم قد تعيدهم إلى السجن بجرائم قد تكون أسوأ من السابق، وهو ما دعا عدد من الناشطين الاجتماعيين إلى المطالبة بإيجاد لجان توظيف توفر مصدر رزق للسجناء بعد انتهاء محكوميتهم. تشجيع النزلاء نحتاج إلى إنشاء «لجنة توظيف» وإعادة النظر في «لائحة السوابق» والضغط على القطاع الخاص.. في البداية أكد الناطق الإعلامي في المديرية العامة للسجون بالمملكة "المقدم د. أيوب بن نحيت" على أنّ المديرية العامة للسجون حريصة على تشجيع النزلاء وتعليمهم وتأهيلهم وتدريبهم على كسب المال الحلال، من خلال صنعة تكفيهم شر العوز والحاجة، وذلك من خلال سياسة الإصلاحية التي تستمد أخلاقياتها من الشريعة الاسلامية الغراء، حيث تهدف برامج التأهيل والتدريب المهني لإشغال وقت النزلاء بما يعود عليهم بالفائدة مستقبلاً، وإكسابهم مهنةً تساعدهم على العيش بعد الإفراج مع الحرص على إيقاظ مواهبهم وتنمية مهاراتهم، مشيراً إلى أنّ مساعدة النزلاء في الحصول على وظائف بعد الإفراج عنهم؛ مناط للجنة الوطنية لرعاية السجناء والمفرج عنهم وأسرهم والمعروف ب "تراحم" التي يرأسها معالي وزير الشؤون الاجتماعية ويمثل مدير عام السجون نائب لرئيس اللجنة ومقرها الرياض. نجيب الزامل أبرز الحرف والمهن وأضاف أنّ المديرية العامة للسجون تعمل جنباً إلى جنب مع اللجنة لتحقيق التوافق المطلوب بين احتياجات سوق العمل المحلي مع مهارات وقدرات وخبرات النزلاء؛ ليتحدد بعد ذلك نوعية البرامج التأهيلية المطلوب تنفيذها داخل الإصلاحيات، مشيراً إلى أنّ أبرز الحرف والمهن التي يتم تأهيل وتدريب النزلاء عليها حالياً تتوزع على البرامج التدريبية وأهمها النجارة والكهرباء والمباني وميكانيكا وكهرباء وسمكرة السيارات واللحام والحدادة والخياطة والتبريد والتكييف وصيانة الحاسب الآلي والالكترونيات وأعمال مكتبية أخرى، إضافة للبرامج التشغيلية، والمصانع، مضيفاً أنّ هناك كثيرا من عمليات التأهيل والتدريب؛ التي تهدف لإكساب النزلاء لمهارات مهنية واجتماعية، والتي تسهم في تهذيب وتعديل سلوكهم إلى جانب تعميق القيم الأخلاقية والاجتماعية لديهم بما من شأنه مساعدتهم على الاندماج مرة أخرى في المجتمع. محمد الزهراني أنواع الرعاية وأوضح أمين عام اللجنة الوطنية لرعاية السجناء "محمد بن عائض الزهراني" أنّ اللجنة الوطنية تحرص على تقديم شتى أنواع الرعاية للمفرج عنه لمساعدته على الاندماج في مجتمعه؛ ليكون عضواً صالحاً عبر عدد من البرامج؛ يأتي في مقدمتها متابعة برامج التدريب والتأهيل التي تساعد على زيادة فرص الحصول على وظائف مناسبة لتخصصاتهم بما يؤمن لهم ولأسرهم لقمة العيش الكريم وتحول دون عودتهم لارتكاب الجريمة، ما جعل اللجنة تعقد شراكات مع عدد من الصناديق التنموية والمؤسسات الحكومية والأهلية ومنها الصندوق الخيري الاجتماعي وصندوق تنمية الموارد البشرية "هدف" وصندوق المئوية والمؤسسة العامة للتدريب التقني والمهني وبرنامج باب رزق والبنك الأهلي التجاري، كما تدعم اللجنة برامج الدعم الذاتي للمفرج عنهم في قضايا التعاطي والإدمان، من خلال تنفيذ برامج الحج والعمرة ومساعدة المقدمين على الزواج، كما تستمر المساعدات النقدية والعينية للمفرج عنه لمدة تصل إلى سنة بعد الافراج. المقدم د. أيوب بن حجاب السابقة الجنائية وعن تجاوب مؤسسات القطاع الخاص في توظيف المفرج عنهم، أكد "الزهراني" على أنّه تجاوب محدود ولا يحقق الطموح، حيث يعتمد على التواصل الشخصي والاهتمام من مكاتب العمل والغرف التجارية، ويرجع عدم تجاوب القطاع الخاص للنظرة السلبية للسجين المفرج عنه خصوصا مع اشتراط كثير من المؤسسات والشركات الكبرى لخلو سيره، المتقدم للوظائف من أي سابقة جنائية، وهذا ما يجعل اللجنة تحرص على توعية المجتمع من خلال تنفيذ أسبوع توعوي سنوياً برعاية كريمة من صاحب السمو الملكي الأمير نايف بن عبدالعزيز النائب الثاني لرئيس مجلس الوزراء وزير الداخلية والرئيس الفخري للجنة. مشاركة المجتمع وأشار إلى أنّ الجوامع والمدارس والبنوك والمطارات والمؤسسات الحكومية وكافة وسائل الاعلام تشارك في شرح معاناة السجين وأسرته، من خلال حث أفراد المجتمع ومؤسساته على دعم اللجنة وفروعها؛ لتتمكن من أداء رسالتها الانسانية، والمطالبة بإعطاء المزيد من الحوافز لرجال الاعمال لاستقطاب المؤهلين من المفرج عنهم على غرار ما صدر عن معالي وزير العمل باحتساب المفرج عنه باثنين في مجال السعودة من أفضل الحلول للمساهمة في الحد من بطالة مَن انتهت محكوميتهم، والتنويه بالفتوى الصادرة عن سماحة المفتي بجواز صرف الزكاة للفئات المشمولة برعاية اللجية، وتأكيد ضرورة احتواء المفرج عنهم ومساعدتهم ليعودوا إلى مجتمعهم أعضاء صالحين مساهمين مع إخوانهم المواطنين في بناء وإنماء وطنهم. المفرج عنهم وأوضح "الزهراني" أن بعض المفرج عنهم يرفضون ما توفره اللجنة من وظائف نظراً لمحدودية المزايا التي يحصلون عليها، مشيراً إلى أنّ أعداد من تم توظيفهم خلال الفترة الماضية في مؤسسات القطاع الخاص تراوح بين 400 و500 شخص سنوياً؛ وذلك بجهود مبذولة من فروع اللجنة الخمس عشرة في كافة مناطق ومحافظات المملكة، متمنياً أن يكون هناك جهود أكبر في توظيف أفراد أسر السجناء ذكوراً وإناثاً، بما يساعدهم على رعاية أنفسهم في الفترة التي يكون عائلهم داخل أروقة السجن، مشيراً إلى أنّ اللجنة الوطنية لا تملك مصادر للدخل الثابت، حيث تعتمد في تنفيذ مشاريعها على ما يردها من هبات وتبرعات وزكوات لا يمكن توقع حجمها من عام إلى عام. إعادة التأهيل وأكد عضو لجنة رعاية السجناء في المنطقة الشرقية "ماجد البابطين" على أنّ من أهم المبادئ التي انطلقت منها اللجنة هو (التراحم)، وذلك تطبيقاً لتعاليم ديننا الحنيف، مشيراً إلى أنّ من المعروف أنّ القصد من السجن هو التأديب وإعادة التأهيل، وليس القصد منه معالجة مشكلة وإنشاء أخرى تتمثل بالأضرار التي قد تلحق بالأسرة عندما يسجن عائلها، ليكون أحد أهم أهداف اللجنة التي تحمل اسم (تراحم) هو رعاية أسر السجناء وتوفير احتياجاتهم، موضحاً أنّ اللجنة باشرت عملها بعد إنتهائها من وضع البنية الأساسية للهيكل الإداري التابع لها، مشيراً إلى أنّ نشاط اللجنة لا يقتصر على المساعدات المالية فقط، بل يتعدى ذلك ليصل لتسديد إيجارات وتوفير المؤونة الغذائية إضافة للملابس مع دخول الشتاء والأعياد والعودة للمدارس، متمنياً أن يلتفت المجتمع لمعاناة أسر السجناء؛ لتقديم المساعدات لهم عن طريق لجنة رعاية السجناء ليحققوا بذلك (التراحم) الذي حثنا عليه الدين الاسلامي، منوهاً بالجهود المبذولة من قبل لجنة رعاية السجناء في البحث عن وظيفة مناسبه للسجين قبل خروجه من السجن يساعدها في ذلك إدارة السجون الذين يسهمون في تدريبهم وتأهيلهم على بعض الحرف والمهن لسوق العمل. ضغوط نفسيه وأوضح الإستشاري النفسي "د. عادل الجمعان" أن معاناة السجين تبدأ قبل خروجه من السجن، وليس كما يعتقد كثيرون منا بأنها تبدأ بعد الخروج وهو ما يجعلها رحلة طويلة جداً قد يتحملها بعضهم بينما يقع كثير منهم في ظلمة تبعاتها، مشيراً إلى أنّ من أول الأمور التي يعانيها السجين بعد إطلاق سراحه هو البحث عن مصدر رزق لنفسه ولأسرته، إلاّ أنّ واقع الأمر يشير لضياع كثير منهم في خضم الأوضاع العامة التي يمر بها المجتمع من شح في الوظائف واقتصارها وبصعوبة على ذوي المؤهلات العليا والخبرات الطويلة مع الأخذ في الحسبان ابتعاد معظم فئات المجتمع عن المغامرة في التعامل مع السجين بمجرد معرفتهم بتاريخه، ونتيجة لذلك يقع السجين وأسرته ضحية من جديد ما قد يسبب لعودته مجدداً للسجن؛ ليترك بذلك تأثيراً كبيراً على أسرته كشتات الأبناء وانخفاض مستواهم الدراسي، أو تركهم لها إضافة لاحتمالية ارتكابهم سلوكيات غير مقبولة؛ لعدم وجود موجه أو رقيب كرب الأسرة ما يدخل الأسرة في دائرة من الضياع الأكيد، كل ذلك قد يحصل فقط لعدم حصول السجين على فرصة للتكفير عن خطأه وإعادة حساباته. التهيئة النفسية ودعا "د. الجمعان" إلى ضرورة بدء العمل مع السجين قبل خروجه؛ وذلك من خلال تهيئته نفسياً لتقبل التغيرات التي حدثت في المجتمع أثناء غيابه عنه، إضافة لتوعيه المجتمع للكيفية التي يجب أن تعامل بها هذه الفئات، إلى جانب محاولة مساعدتهم في الحصول على مصدر رزق مشروع يساعدهم وأسرهم على أن يعيشوا حياة كريمة، محملاً مسؤولية ما قد يترتب عليه من عدم الاهتمام بالسجناء بعد إطلاق سراحهم لأكثر من جهة، مطالباً المؤسسات والجمعيات الخيرية ووسائل الإعلام في توعية المجتمع بدورهم تجاه هذه الفئات وتقديم يد العون لهم من باب التكافل الإجتماعي. مطلب ضروري وعد عضو مجلس الشورى "نجيب الزامل" أنّ تخصيص لجنة لتوظيف السجناء بعد خروجهم من السجن مطلباً ملحاً باعتبار أن السجين يخرج وهو مملوء بالاحباط بعد فترة سجنه، التي تفتقد للتأهيل النفسي لمواجهة المجتمع مع اقتناعه أن المجتمع أيضاً يفتقد للتهيئة والتأهيل المناسب للتعامل مع السجين، برغم مكوثه في السجن للتكفير عن ذنبه، مطالباً بإعادة تأهيل السجناء عقلياً ونفسياً ومهارياً، وعدم اقتصار التأهيل على الجانب الحرفي والمهني فقط، بما يحقق كثيرا من الفوائد على المستوى البعيد، مستشهداً بتجربة (جمعية المدمنين المجهولين)، الذين استطاعوا تقديم الدور التوعوي والإرشادي؛ ليتمكنوا من إعادة عدد من المدمنين والمروجين للطريق الصحيح، وذلك بنسبة فاقت أضعاف ما حققته الطرق التقليدية بعد أن حرصوا على عملهم بتطبيق المقولة الشعبية "اسأل مجرب ولا تسأل طبيب"، حيث يقومون بذكر تجربتهم ومدى المرارة التي عاشوها بعيداً عن التنظير والكلام الصعب؛ ليقنعوا بذلك كثيرا من المتعاطين لترك المخدرات والبعد عنها. وجود التجارب وتمنى "الزامل" وجود مثل هذه التجارب على مستوى السجناء، وذلك للمخزون الذي يمتلكه السجين من تجربه يفترض أن يتم تهيئتها وصقلها؛ ليستفيد منها المجتمع من خلال خطة استراتيجية يقوم عليها منظومة من العلماء والمتخصصون بالتدريب المهاري العالي ومهنين نفسيين إضافة لأصحاب الخبرات في التربية العالية لتطبق على المساجين، وهم داخل السجن إضافة للجتمع في كيفية تقبله للسجين، مع الحرص على تهيئة السجين من باب تكفيره عن ذنبه بالعمل بشكل جاد على المساهمة بمنع الشباب من الوقوع في الجريمة التي تقضي بدخولهم للسجن، مطالباً رجال الأعمال وأصحاب المؤسسات إضافة للمحسنين الراغبين بتقديم أعمال خيرية تسهم بخدمة المجتمع بدعمهم للبرامج الاستراتيجية التي تعنى وتهتم بتقديم الخدمة للسجناء خصوصاً عندما لا تتوفر الموارد الحكومية لمثل هذه البرامج التي ستساعد الخارجين من السجن على القيام بأدوار تربوية تشعرهم بأهميتهم وتساهم بنشر الوعي بأخطار الجريمة.