بين مستفز، وساخط وفرِحٍ، ومراقب ومنتشٍ، جاءت زيارة الرئيس الإيراني أحمدي نجاد للبنان لتُحدث رجة داخلية وخارجية، طالما إيران تقف على مسافات متفاوتة من دول المنطقة؛ حيث أصبحت لاعباً مثيراً للجدل في العراق، وحليفة لحزب الله وحماس، ودولياً لا تزال تثير المخاوف من مشروعها النووي، وخاصة إسرائيل ودولاً عالمية أخرى.. «بروتوكولياً» الزيارة رسمية لبلد على المستوى الحكومي طبيعية كزيارة أي رئيس دولة، لكنها بمنطق العرب وبعض اللبنانيين تأتي وظروف لبنان مهتزة توحي بصراع أكثر حدة بين عدة أطراف بسبب المحكمة الدولية التي تحقق في مقتل الحريري، لكن موضوع شهود الزور الذي جاء كشرارة في مستودع لمواد متفجرة، جعل الخصومة تأخذ بعداً عربياً لتهدئة المواقف، وقد فسر البعض زيارة نجاد في هذه الأجواء بأنها تأييد لحزب الله على بقية الكتل الأخرى، ويستطيع نجاد أن يكون ضيف كل اللبنانيين، إذا ما ساهم في إرخاء الحبال المشدودة بين الأطراف المتضادة.. من جانب إسرائيل، ترى في الزيارة تحدياً لها وإضفاءً للتوتر معها في وقت ترى فيها الدول الحليفة لها زيارة مثيرة لدواعٍ أمنية وسياسية، وبصرف النظر عن حالات التوتر، أو الاستقبال الحافل، فإن لبنان بيئة تصادم للكثير من الأسباب، فعلى مدار قرن، وهو يعيش حالات تجاذب بين من نادى بلبنانيته وعزله عن محيطه العربي والإسلامي، وآخر دعا لأن يكون مسيحياً مارونياً أو إسلامياً سنّياً في مراحل غياب الطائفة الشيعية عن الصراع إلى أن استطاع حزب الله أن يمثل دور القوة الأكبر في محيطه الوطني، وأهم ذراع تقاوم إسرائيل في لبنان الحالي.. نجاد يستطيع أن يجعل من بلده داعماً أساسياً ومركزاً إقليمياً مرموقاً لو ترك لغة الشعارات، واستخدم لغة دبلوماسية الدولة التي تعطي لجيرانها والعالم نمطاً من العلاقات الواقعية التي تؤكد على المصالح قبل المطامع في البحرين، أو تهديد مضيق هرمز وإشعال الخليج العربي، أو إعلانه، أن إيران وأمريكا هما أقوى قوتين في العالم، إلى آخر الأساليب التي لا تخدم مصالح إيران، ولعل الفارق بينها وبين تركيا، وبصرف النظر عن تباين المذهبين للبلدين، أن تركيا اتخذت منهجاً أكثر «براغماتية» عندما دافعت عن إيران وتتقارب مع العرب، دون أن تخل بعلاقاتها مع إسرائيل أو الدول الأوروبية. إيران تستطيع أن تلعب الدور الذي يجعل المنطقة بمحاورها الثلاثة: العرب، وتركيا، وهي، قوة إقليمية كبرى لما يملكون من مقوّمات المحور المرشح لأكثر من دور، وهي قضية تحاكَم بالعقل في قابلية تنفيذها، لأن العداء، أياً كان مصدره، لا يورث إلا عداءً آخر..