البرامج الشعبية كانت إلى وقت ٍ قريب محدودة جداً.. كان برنامج البادية في الإذاعة والتلفزيون هو الوحيد الذي يقدم نماذج من التراث الشعبي؛ وكان له متابعون كثيرون ينتظرون أوقات بثه بلهفة وشوق؛ وكانت المواد التي تقدم فيه على الرغم من بدائية تقديمها إلا أنها أصيلة وذات مساس مباشر بالموروث الشعبي.. وكان هناك إلى جانب برامج البادية المحدودة مصادر أخرى لها اهتمام بالموروث الشعبي خدمت هذا الجانب خدمة إيجابية.. وأقصد بذلك صفحات الأدب الشعبي في بعض الجرائد المحلية.. كان القائمون عليها من أصحاب الخبرة والدراية في كل ماله صلة بالموروث الشعبي ولم يكن التركيز على جانب واحد من جوانب التراث، بل كان هناك تعدد وتنويع.. ثم جاء لا حقاً عصر المجلات الشعبية وكان لها صولات وجولات في هذا الجانب، وبرز من خلالها أو بسببها وبدعم منها الكثير من الشعراء الشباب منهم من كسب صفة الاستمرارية وكوّن لنفسه موقعاً في ذاكرة المتلقي فترة من الزمن، ومنهم من تلاشى واختفى ولم يبق له أثرٌ إلاّ على صفحات الأعداد القديمة من تلك المجلات، التي طوى بعضها النسيان ودخلت أرشيف محفوظات التاريخ الأدبي دون عنوان معروف، ودون حتى رقم يدل عليها في ذلك الأرشيف، ومن أسباب اندثارها - في نظري - أمور كثيرة لعل منها: تركيزها على الشعر فقط ودون انتقاء.. ودون مراعاة لرغبة القراء. هكذا كنا إلى وقت ٍ قريب، فما هو حالنا اليوم مع وسائل نشر الأدب الشعبي والموروث الشعبي بصفة عامة..؟ اليوم نعيش عصر الفضائيات المختصة بنشر كل ما له علاقة وصلة بمورثنا الشعبي ومن ذلك الشعر؛ اليوم اختلط (الحابل بالنابل) فأصبح الباحث عن المادة الجيدة كمن يبحث عن إبرة في كوم من القش، مع هذه الفضائيات كل الناس أصبحوا شعراء، فمن فاتته فرصة الشاعرية هذه الأيام لن يتمكن من الحصول عليها في مستقبل أيامه.. لأن هذا الكم الهائل من الفضائيات الشعبية سوف لا يدوم، وسيحصل له ما حصل لبعض المجلات الشعبية؛ فالتكرار الممل والتشابه في المواد المقدمة، والتركيز على الشعر وخاصة شعر المحاورة له تأثير سلبي على رغبة المشاهد لمتابعة هذه القنوات وسينصرف عنها حتماً في غياب عدم التنويع في المادة المقدمة، فالمسألة لا تنحصر في الشعر فقط، والموروث الشعبي يحوي العديد من المواد التراثية خارج نطاق الشعر لكنها مهملة مع الأسف ولا تحسب لها القنوات الفضائية حساب. مع أن بعض هذه الفضائيات تحاول التنويع في ما تقدمه من مواد تراثية ومع هذا يبقى الشعر هو المحور الوحيد الذي تدور حوله.. أغلب البرامج حتى في المناسبات الخاصة الشعر هو القاسم المشترك، وعلى بقيّة أنواع التراث السلام..! (يا جماعة) قللوا من التركيز على الشعر وابحثوا عن الجوانب الأخرى للموروث الشعبي وقدموها للمشاهد فهو يبحث عنها بلهف شديد، ولا بأس من الشعر لكن في حدود معقولة.. فالموروث الشعبي ليس هو فقط الشعر، والذي يطلبه المشاهد ليس هو الشعر فقط..!