عيدكم فرح وسلام. سنوات طويلة مضت تقارب نصف القرن لا زلت أذكر بعض ملامح العيد فيها. في الخرج البلدة الوادعة التي تشكّلت حول خاصرة الرياض العاصمة. مبكّراً أسحب تلابيب فجر يوم العيد ليطل علينا بالفرح الأبيض. والدي رحمه الله الرجل النجدي التقليدي يكون في أزهى ثيابه البيضاء يرتدي عباءته (الوبر) ويُمسك بيدي الصغيرة بينما تفوح من غترته رائحة دهن العود. وجهتنا مشهد العيد نذهب إليه مشياً على الأقدام. أُسابق والدي إلى هناك لا لشيء سوى التوق إلى دهشة سنوية للاستمتاع بمعزوفات فرقة الجيش الموسيقية التي يصطف أفرادها قبالة المسجد لعزف السلام الملكي لحظة وصول (أمير الخرج). بعد الصلاة تنثر الفرقة الفرح بأعذب الألحان ثم يستدير الطابور نحو البلدة الصغيرة في (مارشات) عسكرية في شوارعها الترابية المرشوشة بالماء يباريها مشياً الكبار قبل الصغار تملؤهم البهجة في فاتحة أيام العيد التي هي الأخرى تضج بكل أشكال الفرح لمَ لا ؟؟ إنهُ العيد. بعدها حلّتْ سنواتٌ عِجاف غلّفت الأفق بالكوابيس حين هبط الجراد الصحراوي في حقول الفرح. جرّد أغصان المشاعر من كل الألوان وبدّلها بلونه الرمادي القاتم. لا مكان للأرواح التواقة للحياة المزركشة بالأمل والحُب والأناشيد. في هذا الفضاء المُكفهرّ نشأ جيل لم يُكتب في دفاتره البريئة معنى الفرح وأُخفيت من قواميسه مفردات مثل الغناء، البهجة ، الأمل، الموسيقى ، الفلكلور، الفن، الرقص، الابتسامة وغيرها. ثم أتى زمن الملك عبدالله... زمن الفرح بكل معانيه ولكل الناس . أصبح الفقراء على موعد مع العيد مثل الأغنياء تماماً. عيديتهم تصل من يد الملك الحانية قبل العيد بأيام . ثم تهل أوقات الأفراح ، تنطلق من العاصمة الرياض البشارات السعيدة لكافة أرجاء الوطن الكبير أن افرحوا فاليوم عيد.لاعليكم من هو قابع في زوايا الظلام. لاتلتفتوا لبقايا الجراد فالزمن كفيل بانقراضه. عاد العيد عادت البهجة وتأنسن الوطن بفعلِ كبار الهمّة من عُظماء الرجال. أنت على موعد مع الأفراح المُستدامة يا وطني فهنيئاً لك ولنا.