في مقال سابق تم نشره في (الرياض الا قتصادي) يوم السبت 15 صفر 1431 بعنوان:"البترول بعد خمس وسبعين سنة" اقتبست - أو بالأحرى استوحيت فكرة المقال من - عبارة من مقال للأستاذ الكبير عثمان الخويطر. نص العبارة المقتبسة يقول: "أيهما أفضل.. هل استنزاف الثروة النفطية تحت ذريعة الحيلولة دون إيجاد بدائل.. أو أن نقبل بوجود بدائل للنفط حتى ولو أدى الى الاستغناء النسبي عن النفط؟" هذه العبارة لو وضعناها في كفة ميزان ثم وضعنا معظم ما كتب في صحافتنا عن البترول في الكفة الثانية لرجحت - في تقديري - الكفة التي فيها هذه العبارة، أو بالأحرى هذا التساؤل. الحقيقة أن الجواب على هذا التساؤل الذكي هو الشيء الذي تحتاج ارامكو أن تضعه نصب عينيها لكي ترسم خارطة طريق تسير عليه خلال القرن الحادي والعشرين. من ناحية ثانية من أسوأ ما قراته في جميع ما كتب - في شتى أنحاء العالم - عن البترول هي عبارة منسوبة لشيخنا الجليل (مع عدم المساس بماضيه الناصع في خدمة المملكة) معالي الشيخ أحمد زكي يماني. نص العبارة يقول: "The Stone Age did not end for lack of stone" لقد تناقلت وكالات الأنباء وكتّاب المناسبات هذه العبارة وكأنها أية منزّلة من السماء. قد يكون من غرائب الصدف أن من أفضل - وكذلك من أسوأ - ما قرأت من أراء تتنبأ بمدى أهميّة دور البترول في المستقبل مصدرهما شخصان كانت لهما صلة وثيقة بصناعة البترول في المملكة، لكن شتّان بين الرأيين. أحدهما يرى أن البترول ثروة لن تفقد قيمتها مهما تغيّرت العصور، ويجب عدم استنزاف نصيب الأجيال القادمة، والآخر يرى أنه سيأتي يوم يستغني فيه الأنسان عن البترول كما استغنى الإنسان عن الحجر كأداة لإيقاد النار في العصر الحجري. كان شبه مستحيل (وأقول شبه لأن أساتذتي لقّنوني في الأبتدائي أنه لايوجد شيء اسمه المستحيل) أن تستطيع دول أوبك - حتى لو رغبت - أن تلبي الطلب المتزايد بشراهة على البترول في السبعينيات لأن بترولها لا يكفي وكان سينضب (وأول ما ينضب بترول الخليج العربي) قبل أن ينتهي القرن العشرين (أي في القرن الماضي) لو لم ترتفع الأسعار ويتحوّل العالم الى الترشيد وتطوير بترول المناطق الأخرى كبحر الشمال والاسكا والمكسيك لإنقاذ بترول أوبك من الأستزاف. لقد كان الطلب يتحوّل بسرعة من استخدام مصادر الطاقة الأخرى الى البترول لرخصه ومزاياه بالنسبة لجميع مصادر الطاقة البديلة. وكانت الأخوات السبعة (شركات البترول الكبرى) تحتكر جميع احتياطيات العالم من البترول ولا تعطي حكومات الدول المالكة للبترول إلا سنتات عن كل برميل فأخذ استهلاك البترول ينمو بمعدلات استنزافية حتى كانت جميع التوقعات تتوقع أن يصل الطلب على البترول أكثر من 90 (نعم تسعين) مليون برميل في اليوم في عام 1990 (أي قبل عشرين عاما) وكان من المسلّم به أن زيادة الإنتاج ستأتي من دول أوبك (بالذات ما كان يسمى الحمايم). تصوروا لو لم ترتفع الأسعار ولم يتم ترشيد الاستهلاك وتطوير بترول غير أوبك ولم يرجع العالم الى استخدام البدائل واستجابت دول الخليج العربية لتلبية الطلب المتزايد على بترولها، فهل كان سيبقى اليوم بترول يمكن استخراجه من حقول بترول منطقة الخليج؟. في نفس الوقت الذي كانت فيه حكومات دول اوبك لا تحصل إلا سنتات على برميل الذهب الأسود كان البعض يطالب بخفض أسعار البترول حتى لايطوّر العالم بدائل للبترول. كنا طلابا في الجامعة حين جاء أول وأشهر دكتور سعودي (بالأحرى ثاني اثنين أحدهما المرحوم نعمة الله) في الاقتصاد المرحوم محسون جلال وكان شعلة من الوطنية والأخلاص والحماس ولكن للأسف كان متأثرا بأفكار أستاذه موريس ادلمان (اكثر من دعى لخفض أسعار البترول) فكان يقول إن على المملكة ان تخفض اسعار البترول حتى لا تشجع العالم على تطوير البدائل. حينذاك (شاع بين الطلاب) بأن وزير البترول الشيخ أحمد دعاه الى مكتبه ولكن الدكتور محسون قال: "اللي يبغاني يجيني في مكتبي أنا لا أذهب". ثم كنا نتعمد أن نمر وقت صلاة الظهر جوار مكتب الدكتور محسون في عليشة (مقر كلية التجارة) فنسمع لغطاً خلف الأبواب المغلقة فنعرف أنه في اجتماع مع مندوبي وزارة البترول ليقنعوه بخطأ رأيه. فسبحان الله ما الذي جعل معاليه يغيّر رأيه الآن ويقول أن إنسان هذا العصر سيستغني عن البترول كما استغنى الإنسان البدائي عن استعمال الحجر. عمود الأسبوع القادم - إن شاء الله - سيكون بعنوان: لا أحد يطالب بخفض إنتاج البترول (لكن لا ضرر ولا ضرار). * رئيس مركز اقتصاديات البترول "مركز غير هادف للربح"