يشهد المناخ التشريعي في الفترة الحالية حراكاً واضحاً ، باتجاه الرغبة في تحديد موقف جلي من عملية الاتجار بالأراضي في القطاع العقاري ، وما يؤدي إليه احتكارها وتجميدها من تعطيل لدورها الاقتصادي في مسيرة التنمية بالمملكة ، يعبر عن هذا الحراك ، ما نشر في وسائل الاعلام عن توصية تستند إلى دراسة قامت بها إحدى لجان مجلس الشورى المتخصصة ، لأهمية إعداد لائحة تنظيمية لضوابط وآلية جباية رسوم سنوية على الأراضي البيضاء ، التي تقع ضمن النطاق العمراني ، وكذلك الندوة التي عقدت مؤخراً في مدينة الرياض ونظمتها الهيئة الاسلامية العالمية للاقتصاد والتمويل عن زكاة العقارات . فالموقف من موضوع جباية الزكاة على العقارات تتباين لدينا بصورة واضحة ، فمصلحة الزكاة والدخل ، المؤسسة المعنية بجباية الزكاة في المملكة ، تعمل بموجب القول الفقهي الذي لا يوجب الزكاة على العقارات ، لأن نية التجارة في هذا الشأن خافية بين العبد وربة ، وأن العقارات ليست ضمن فروع الزكاة المعروفة التي تجب زكاتها ، وهي كما أوضحها الفقهاء النقدان ، وعروض التجارة ، والحبوب والثمار ، والأنعام ، حيث لا تجب الزكاة في العقارات إلا اذا نويت التجارة فيها والنية محلها القلب لا يعلمها إلا الله ثم الإنسان نفسه ، أما المجتمعون في الندوة التي نظمتها منذ أسبوعين الهيئة الاسلامية العالمية للاقتصاد والتمويل ، فاختلفوا فيما بينهم وانتهوا على آراء ثلاثة الأول منها هو عدم الوجوب للزكاة على العقارات إلا بالنية الجازمة في الاتجار بها ، أما الثاني والثالث فاتفقوا على أهمية الأخذ بالقرائن التي تؤكد نية صاحب العقار في البيع ، لكن تباين رأيهم في تلك القرائن ، فالفئة الأولى منهم ترى أن من القرائن لجباية الزكاة من المتاجرين في العقارات هم أصحاب الأملاك الشاسعة ، من المخططات البيضاء ، وقطع الأراضي الكبيرة ، أما الفئة الثانية فترى أن مجرد عرض العقار للبيع لدى مكتب عقاري هو قرينة للاتجار ، توجب زكاة العقار عليها أما الموقف الثالث فهو لجهة الاختصاص في مجلس الشورى ، المؤسسة التنظيمية لدينا ، التي أوصت وفق ما نشر ، بوضع لائحة تنظيمية ، تتضمن ضوابط وإجراءات لجباية رسوم على الأراضي البيضاء التي تقع ضمن النطاق العمراني لمدن وقرى المملكة . ( 1 ) إن هذا الحراك التشريعي ، وإن شابه تباين في الرأي ، عن كيفية تحديد العقارات التي تتم المتاجرة بها ، وفق القرائن المختلفة ، التي ترمز إلى ذلك ، هو بلا شك ظاهرة صحية ، فالمتدبر في أيات الكتاب الكريم ، والأحاديث النبوية الشريفة ، يجد تعدد الأوامر بدفع الزكاة ، والوعيد الشديد لمن يمنعها ، وما ذلك إلا من منطلق أنها نظام اقتصادي اسلامي فيه مصالح عظيمة للمجتمع تدفع بشكل تلقائي الأثرياء لضخ أموالهم في الأنشطة الاستثمارية ، وما يؤدي إليه ذلك من استيعاب للآلاف من الأيدي العاملة ، وخفض لنسب البطالة بينهم ، إضافة إلى الحكمة من مشروعية الزكاة بتوزيع الأموال على المحتاجين والمعوزين ، بما يقلل من معدلات الفقر والحاجة ، وعدم جعل الأموال يتم تداولها فقط بين الأغنياء ، كما نرى اليوم في سوق الاتجار بالأراضي ، بل جعل الفقير يناله جزء منها كأحد مقاصد الشريعة الإسلامية المطهرة . وحتى ندرك مقدار العائد من جباية الزكاة على العقارات المعدة للاتجار لدينا ، يكفي أن نلقي نظرة على البيانات التي تصدرها وزارة العدل ، عن الصفقات العقارية في بعض مدن المملكة ، التي من أبرزها مدينة الرياض ، والتي قاربت الأسبوع الماضي المليارين والنصف المليار ريال ، فماذا يا ترى لو تمت جباية زكاة ما تم تداوله منها لغرض تجاري ، و وجهت تلك المبالغ ، ليس بالضرورة بإيداعها في حساب مصلحة الزكاة والدخل ، وإنما في بناء وحدات سكنية لإيواء الأسر الفقيرة والمحتاجة بمدن وقرى المملكة ، أما كان هذا كفيلاً بمعالجة جزء من قضية تؤرق المجتمع بكافة أطيافه ...! ما يثير العجب ، هو تعطيل بعض من ينتمون للقطاع العقاري ، لنص شرعي ، يقضي بدفع الزكاة على من يستثمرون في أنشطة هذا القطاع ، بينما يحرصون أشد الحرص على استيفاء نسبة 2.5 % النظامية من قيمة الصفقات العقارية تعادل قيمة الزكاة مقابل أتعاب مكاتب التسويق لتلك الصفقات ... !! فأيهما أولى بأن يحظى بالأسبقية ، والحصول على تلك النسبة ... ؟!