رفضت رئيسة أحد الأقسام النسائية بأحد القطاعات الحكومية، قبول "هدية" من موظفة تعمل في قسمها، بعد أن أوضحت الموظفة أن السبب الذي دفعها لذلك، هوالتعبيرعن مدى تقديرها واحترامها لتلك الرئيسة، والتي أثبتت بأنها الأم والأخت الكبيرة، لجميع الموظفات بحسن تعاملها وتقديرها للأمور. وترى "الرئيسة" أن مبدأ "الهدية" في العمل مرفوض ولا داعي له، حيث سيكون مجالاً لفتح باب "القيل والقال"، بل وربما يكون وسيلة لاستدرار عواطف المسؤول، إلى جانب أنه من الممكن أن يرمي إلى "المجاملات الوظيفية". ويرى عدد من الموظفات قبول "الهدية" في قطاع العمل، أنه نوع من أنواع "الرشوة"، التي قد تفتح الباب أمام الآخرين، لأن يفسروها على محمل المصالح الشخصية، في حين يقف البعض الآخر موقف الرفض، معتبرين ذلك تشديداً، وأن الصواب هو أن تعرف المديرة ممن تقبل الهدية وممن ترفضها. أرفض الهدايا! تؤكد "صالحة الجاسم" مديرة أحد القطاعات الخاصة، أن على المسؤولة توخي الحذر في تعاملاتها مع الموظفات، خاصة وأنها محط أنظار الجميع، بل تعتبر قدوة يعول عليها في التعامل والسلوك، مضيفة، أرفض الهدايا لاسيما عندما تكون باهظة الثمن، وعندما لا تكون هناك مناسبة لقديمها، مشيره إلى أن ذلك الرفض يأتي لكي لا تفتح على نفسها باباً أمام الموظفات يصعب إغلاقه ويكون هناك مجال للتفسيرات والتأويلات وربما الاتهامات. رشوة صريحة وتقول "سميحة سعد" معلمة بإحدى المدارس، إن مديرة مدرستها تقيم الكثير من العلاقات الخاصة، وتتصرف بطريقة غير عادلة في مجال العمل، بل تتحيز لمن يقدم لها الهدايا الثمينة من باب المجاملة، مضيفة أن وصل بها الأمر إلى قولها علانيةً، إن المعلمة التي تعد لوحات جيدة ومكلفة للمدرسة، سيكون لها تعامل خاص، مما دفع بعض المعلمات إلى "التملق" وتقديم الكثير من الهدايا، بمناسبة وبدون مناسبة، لمجرد أن تتسامح في إجازة طارئة، أو تخفف من نصاب العمل، مناشدة جميع المسؤولات والموظفات بالابتعاد عن تقديم الهدايا في مجال العمل لأنها تعتبر "رشوة صريحة". آل مبارك: الحكمة من النهي هو ميل نفس المهدى له للمهدي بدون مصالح شخصية وتؤكد "سميرة الحادي" أنه لا ضرر في تقديم الهدايا لبعض الموظفات أو الرئيسات، إذا كان ذلك من باب المحبة، إلا أن الهدية حينما تقدم لأجل مصلحة ما، فإن ذلك هو المرفوض، مشيرة إلى الهدية التي قدمتها إلى نائبة مديرة القسم التي تعمل فيه، وكانت عبارة عن درع تذكاري، كتبت فيه بعض الكلمات المميزة بأسلوب جميل ومشوق، وقد وضعتها تلك النائبة في مكتبها، مما أحدث بداخلها سعادة كبيرة، دون أن يكون في نيتها مصالح شخصية، في حين لا يمكنها أن تنسى تلك الحادثة، عندما قدمت لها إحدى زميلاتها قلماً مطلياً بالذهب، لكنها فوجئت بأن تلك الفتاة طلبت منها بعد يومين خدمة تخالف العمل، مما دفعها إلى إرجاع القلم لصاحبته، بعد أن أقسمت ألا تقبل هدية في قطاع العمل مهما كانت الأسباب. أهمية المجاملات الاجتماعية وترفض "أم إسماعيل" رئيسة قسم نسائي في أحد البنوك، تلك الأحكام التعسفية، حيث ترى أهمية المجاملات الاجتماعية، وأن الهدايا شيء من الرقي والتفنن في مجال التعامل والتواصل الإنساني، وليس بالضرورة أن يرافقه شيء من السوء، مضيفة حتى لو كانت تلك الهدايا من قبيل تيسير بعض المصالح البسيطة فما المانع من ذلك، فأحياناً تقوم موظفة البنك بتيسير أمور "عميلة في البنك" ليس لأنها قدمت هدية لها، بل ربما تكون سيدة أعمال معروفة، أو أنها "عميلة مهمة"، فما الضرر في تقديم التعامل المميز لها؟. الطالبات والمعلمات! وتنتقد "نسرين خالدي" ما يحدث بين المعلمات والطالبات، من تبادل الهدايا المبالغ فيها، فالطالبة تمر بمرحلة مراهقة دون أن تحسب تصرفاتها صحيحاً، من خلال شرائها الذهب لتقدمه إلى معلمتها، فتقبلها وكأنها تشجع تلك السلوكيات، مضيفة لابد أن يعاد النظر في هذه المعلمة حينما تقبل الهدايا، فهذا يعني خروج علاقة المعلمة والطالبة عن حدود العمل، وبالتالي إضافة مميزات أخرى للطالبة من خلال رصد الدرجات، وهنا يدخل مفهوم الرشوة التي قد تقع فيه المعلمة دون أن تدري بحجة "تهادوا تحابوا"، مشيرة إلى أن الهدية لابد أن تكون بين طرفين متساويين في المكانة والرتبة والمرحلة حتى تحدث المودة. خوف المحاباة! ويقول "د.قيس آل مبارك" عضو هيئة كبار العلماء، إن "الرشوة" هي كلُّ مالٍ دُفِعَ لِيُبتاعَ به مِن صاحب جاهٍ، عوناً على ما لا يجوز لحرمته، وقد جعلت الشريعة الإسلامية معنى الرشوة عاماً، فهو ليس مقصوراً على الموظفين الحكوميين دون غيرهم ، بل هو عام شاملٌ لِموظفي المؤسسات والشركات الخاصة، وقد قال النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (هَدَايَا الْعُمَّالِ غُلُولٌ) فموجِبُ هذا، وهو النهيُ عن قبول هذه المنافع، هو الخوف من أن تميل نفس المهدَى له للمهدِي، فتحصل منه المحاباة للمهدِي، ومثله المتبرَّعُ له قد يضعف أمام المتبرِّع، فيُغضي حياءً منه، فالعلَّة في ذلك كلِّه خوفُ المحاباة. الهدية بقصد الرشوة حرام وأكد "د.قيس آل مبارك" أن صورة الرشوة ليست مقصورة على هديةٍ عينيَّة أو على نقد، بل كل ما يحصل به الانتفاع يمكن أن يكون رشوة، مضيفاً الهدية محرَّمة في حق الموظَّف إن ظهر مقصدها الرشوة، وفيه جاءت النصوص الصريحة، ويلحق بالهدية الإقراض والسلف والاستعارة، وكذلك سائر التبرعات والضيافة، فهي بمنزلة الهدية، ومن ذلك الوليمة الخاصة، وهو ما يَفعلُه الموظَّف مِن عمل دعوة خاصة برئيسه، سواء اقتصرت الدعوة على الرئيس وَحْدَه، أو دعا إليها غيره، فهذه الدعوة أظهرُ الأغراض فيها إكرام الرئيس طلباً للمحاباة، وليست لِغرض المثوبة مِن الله تعالى، مشيراً إلى أن غاية الهديَّةُ إرادة حصول الألفة والمحبة والثواب من الله تعالى، وإظهار الفرحة والسرور، والرشوة غايتها الإكرام والمصانعة.