دخلت مرة واحدة مبنى محكمة جدة في البلد ( وسط جدة ) وذلك بعد أن مات والدي ، وكان علينا أن نستصدر صكا بثبت ورثته ، كان ذلك قبل سنين ، وكان يوما لن أنساه أبدا في حياتي ، أهون ما فيه تأخر القاضي عن موعد الجلسة ، وأصعب ما فيه المبنى نفسه الذي لا يتوفر فيه أي عامل من عوامل النظافة والصيانة ، ناهيك عن ازدحام الناس الشديد ، وعدم وجود مقعد خال يرتاح فيه الإنسان ولو لبرهة من الوقت ، وقررت يومها ألا أعود لهذه الدار مرة أخرى حتى لو تنازلت عن حق لي ، واليوم قرأت خبرا في إحدى الصحف مفاده أن قضاة جدة انتقدوا الوضع السيئ لمبنى المحكمة القديم ، وقالوا في خطاب لوزير العدل إن مكاتبهم القديمة أصبحت مساكن للفئران والجرذان التي تقتات على الأسلاك وأوراق المعاملات ، مؤكدين للوزير أن هناك خللا أمنيا كبيرا بسبب عدم ضبط مداخل المحكمة ومخارجها ، وأن مكاتبهم ضيقة وغير مرتبة في منظر فوضوي مخجل ، وأن هناك انقطاعا متكررا للكهرباء مما يؤدي إلى ظلام في المكاتب وانقطاع في عمل المكيفات ، وهناك تسربات في مياه الصرف الصحي بالممرات ، وأظن أن هذا يكفي للتدليل على سوء الحال في المحكمة دون أن أخوض في سرد عيوب المبنى الأخرى التي خاضت فيها الصحيفة ،على أنني ذهبت مضطرا إلى مبنى الأحوال المدنية في جدة ، لتجديد هويتي ، ولا أريد الآن أن أتكلم بشيء عن المبنى والموظفين حتى لا يتعطل استخراج الهوية فإلى نثار آخر ، بعد أن أحصل على الهوية .