إن انعقاد القمة العربية بصورة منتظمة يمكن أن يطور بحيث يتم تحديد معالم الإرهاب الإسرائيلي المتجذر داخل العالم العربي وتتخذ الإجراءات المناسبة للقضاء عليه. على الرغم من أن التجسس والعمل الاستخباراتي معروف منذ أقدم العصور إلا أن القرن العشرين يعتبر البداية الحقيقية لظهور أجهزة المخابرات بشكلها الحديث وقد كانت أول بداياتها المنظمة في بريطانيا ثم تلتها ألمانيا ثم روسيا ثم أمريكا. وعلى الرغم من أن أجهزة المخابرات كانت تحاط بالسرية والتكتم إلا انها في الوقت الحالي أصبحت نشاطاتها تذاع في مقدمة نشرات الأخبار. وعلى أية حال تعتبر أجهزة الاستخبارات الذراع الطويلة للحكومات فيما يتعلق بحماية الأسرار الوطنية والحصول على المعلومات الخارجية التي تهم الوطن ناهيك عن جمع المعلومات وتحليلها والقيام بتنفيذ كثير من العمليات السرية ذات الصفة البحثية أو، الدفاعية أو التنفيذية. ولا شك أن إسرائيل قد وعت أهمية أجهزة المخابرات بجميع أنواعها ومنذ وقت مبكر، فإسرائيل قامت في الأساس كنتيجة لسلسلة من العمليات السرية والخفية والاجرامية ونتيجة لتلك النجاحات سوف تظل تمارس تلك الأساليب وتعتمد عليها من أجل تحقيق مآربها بصرف النظر عما توقعه من اتفاقيات أو تعهدات أو التزامات لا يتم الوفاء بها. فحوافز الكراهية والحقد والخوف من المستقبل واستقراء أسباب الشتات والحانات جعلنهم يقظين يؤمنون بالأفعال لا الأقوال. فعواطفهم متحجرة وعقولهم قاسية ونظرتهم سوداوية. لذلك لا يمكن أن يركنوا لا إلى مصالح متبادلة ولا إلى سلام متبادل ولا إلى اتفاقيات أو معاهدات، وخير دليل على ذلك ممارساتهم على مدار الزمن. فهم لا يرضون للفلسطينيين بصورة خاصة والعرب والمسلمين بصورة عامة إلا القتل والتشريد والإذلال، أما المسلمون والعرب فإن تفكيك دولهم واحياء الفتن بينهم وبث روح الفرقة والخصام وإحياء الطائفية والعصبية وتغذية الإرهاب واحتضان التطرف بطرق مباشرة أو غير مباشرة ديدنهم. أليسوا موجودين في العراق وهم السبب في حروب الخليج الأولى والثانية والثالثة ،وهم الذين يبذلون كل ما أوتوا من قوة لإشعال حرب الخليج الرابعة.. انهم تجار سلاح وتجار دم وتجار خراب لا ترتفع أسهمهم إلا في الظروف الاستثنائية. من هذه المنطلقات كان لزاماً عليهم أن يكونوا الأقوى في المجالات العسكرية والأمنية والاستخباراتية. فجهاز المخابرات الإسرائيلي الموساد من أكثر أجهزة المخابرات تنظيماً في العالم وعلى العموم يوجد في إسرائيل خمسة أجهزة للاستخبارات هي الموساد وترتبط مباشرة برئيس الوزراء والمخابرات العسكرية (أمان) وترتبط بوزير الدفاع ورئيس هيئة الأركان ،وجهاز الأمن الداخلي (الشين بيت) وجهاز (مكافحة التجسس) وهما يتبعان وزارة الداخلية والخامس هو (فرع الأبحاث الخارجية) وهذا مسؤول عن جمع وتحليل المعلومات الدبلوماسية الخارجية ويتبع وزارة الخارجية. وهناك تنسيق دائم ومستمر بين أجهزة المخابرات المختلفة حيث يعقد اجتماعان اسبوعياً لمجلس التنسيق المشترك وذلك برئاسة مدير جهاز الموساد وذلك للتنسيق مع جميع الأنشطة والتكامل وتبادل المعلومات والمهام. وعلى العموم فقد استفادت إسرائيل من يهود الشتات في جميع المجالات السياسية والاقتصادية والعسكرية والأمنية والاجتماعية وحتى المخابراتية، فانتشار اليهود وتغلغلهم في مختلف المراكز والمواقع السياسية والتشريعية والتنفيذية والأمنية والعسكرية والصناعية والعلمية والإعلامية أتاح ويتيح لهم الحصول على معلومات في غاية السرية والأهمية. ولا شك أن هذا التغلغل وامتلاك رأس المال وناصية الإعلام هو ما جعل الغرب اليوم يتبنى إسرائيل ويمدها بجميع متطلباتها الكبيرة والصغيرة ،وهو ما جعل منها الطفل المدلل الذي يكسر جميع القواعد والقيم ولا يحاسب على ما فعل. نعم لقد استفادت إسرائيل في بناء قوتها العسكرية والاستخباراتية على مجموعة من العوامل التي يتم تأكيدها والحرص على استمرارها والتي يأتي في مقدمتها ما يلي: * تعتبر كثير من مراكز الاستخبارات في الدول الغربية حليفاً قوياً لجهاز المخابرات الإسرائيلي الموساد بل ربما يصل الأمر إلى أن تقوم عملية توأمة بينهما. والسبب الرئيسي التغلغل الصهيوني في مراكز اتخاذ القرار وكون كثير من منسوبي تلك الأجهزة من يهود الشتات المتعصبين. * ايمانهم المطلق بأن الغاية تبرر الوسيلة ومن ذلك عدم احترامهم العهود والمواثيق والاتفاقيات إلا لفترة مؤقتة يمررون خلالها أجندتهم ناهيك عن القسوة وعدم الاهتمام بالرأي العام الذي يسيطرون عليه من خلال عجلة الإعلام الرهيبة التي تقلب الحق باطلاً والباطل حقاً. * سهولة الانتشار في المناطق المحيطة بإسرائيل وغيرها من المناطق، فالموساد تملك محطات في عدد كبير من الدول الغربية مثل أمريكا ودول أوروبا وبعض الدول العربية والآسيوية والافريقية ولكل محطة رئيس وهيئة عاملين وتعمل كل محطة على مدار اليوم ولها تنسيق مع السفير الإسرائيلي في الدولة المضيفة ناهيك عن أن جميع أعضاء السفارة الإسرائيلية هم من عملاء الموساد. * هناك عدة أنواع من عملاء الموساد يأتي في مقدمتهم الشباب اليهود المتطرف والأكثر حماساً تجاه المشروع الصهيوني وهؤلاء تتم تربيتهم في مزارع جماعية تسمى (الكيبوتزات) بالاضافة إلى أولئك الذين يبدون مهارة خاصة خلال فترات التجنيد العسكري أو الدراسة الجامعية كما أن هؤلاء يتم اعطائؤهم دورات خاصة في اللباقة والذكاء والاختبارات النفسية واللغات والأسلحة والاتصالات والاتيكيت والقدرة على التصرف والتخلص، أما العملاء الآخرون فيتم اغراؤهم بالمال أو الجنس أو تهديدهم بالفضائح والتصفية. * سهولة اختراق الدول العربية وسهولة تجنيد بعض العملاء من ضعاف النفوس سهل عليهم بعض المهام التي يقومون بها، والأمثلة على ذلك كثيرة في كل من العراق ولبنان والسودان واليمن وغيرها من الدول، فلا توجد فتنة إلا ولهم ضلع فيها بطرق مباشرة أو غير مباشرة، فهم يحاربون الدول العربية عن طريق تشجيع الإرهاب ،إمداده بالسلاح ويهربون المخدرات بجميع أنواعها ولهم في ذلك هدفان أحدهما الحصول على المال والثاني التخريب والقضاء على الأنفس والعقول. * عجلة المخابرات الإسرائيلية نشطة في جميع أنحاء العالم ونشاطها يمتد إلى التخريب والتجنيد والاغتيال وخلط الأوراق وإلصاق التهم وخلق الانشقاق فهي اليوم في باكستان وأفغانستان والعراق والسودان ولبنان واليمن والهند والصومال كما أنها تؤسس لها قواعد في الدول الإسلامية حديثة الاستقلال في وسط آسيا، ولم تسلم منها الدول الأخرى وخير شاهد على ذلك اغتيال المبحوح في دبي الشهر الماضي. * إن التجسس والتآمر وتقديس المال والخبث والدهاء وقلب الحقائق والتصميم من أهم المقومات التي يعتمدون عليها سلوكاً وتدريباً ومنهجاً وأسلوب حياة لذلك نجدهم يحققون مآربهم وبأقل الخسائر. * إن وجود إسرائيل كدولة صغيرة المساحة قليلة عدد السكان على أرض مغتصبة وسط محيط عربي كثيف من الداخل والخارج مترافق مع طموح كبير يتمثل في العمل على تنفيذ شعار خلق إسرائيل الكبرى من النيل إلى الفرات والذي يتم تطويره وإعادة دراسته وصياغته لكي يتناسب مع الخطط القائمة والتي ربما تدخل مناطق مصادر الثروة الاقتصادية والمائية والمضايق والعمل على تحقيق ذلك من خلال التفكيك من خلال الحروب والفتن. لذلك تعتبر إسرائيل نفسها في حالة حرب مستمرة يتطلب منها التفوق والاستعداد. وهذا يفرض عليها أن تملك أفضل وسائل الهجوم والدفاع والاستخبارات. نعم ان الشتم والاستنكار والذم والتنديد والتهديد والوعيد الذي تطلقه المنظمات الفلسطينية والدول العربية لم يغير من الأمر شيئاً، انهم لا يعرفون إلا لغة القوة.. وعلى الرغم من كيل السباب والشتم لأفعالهم الآن العقل الباطن يعجب لتفوقهم واخلاصهم لأنفسهم والتفافهم حول بعضهم واهتمامهم بمستقبلهم ورعايتهم مصالحهم. ويمقت ويستنكر جميع ممارساتهم ضد غيرهم فسحقاً للإثم. إن إرهاب الدولة الصهيونية قد تعددت جوانبه وتنوعت وسائله واختلفت أهدافه بحيث لم تبق فعالية اقتصادية أو أمنية أو اجتماعية في العالم العربي إلا وهي مستهدفة ليس بصورة عشوائية بل بصورة انتقائية من قبل جهابذة التخطيط والتخريب الإجرامي. فهم يدقون اسفين الفرقة والطائفية والعصبية والاقليمية ويدعمون الإرهاب بالسلاح والمال والتدريب بصورة مباشرة أو غير مباشرة ويزيدون دخلهم من خلال الاتجار بالمخدرات ومن خلال الجريمة المنظمة ويعتمدون في ذلك على ذراعهم الطويلة الموساد في كثير من تلك الأعمال. إن ما حدث في دبي من اغتيال قيادي حماس المبحوح ليس إلا واحدة من عشرات بل مئات لم يكشف الستار عنها. كما أن استخدام جوازات الدول الغربية الحليفة لها مثل بريطانيا وكندا وفرنسا واستراليا والغموض الذي أحاط بها هل هي مزيفة أو أصلية واستنكار تلك الدول على استحياء لدليل على ضلوع مخابرات تلك الدول في التعاون مع المخابرات الإسرائيلية بعلم أو بدون علم حكوماتها. نعم إن الأرض والسماء والبحار العربية لا زالت مسرحاً مفتوحاً أمام العربدة الإسرائيلية خصوصاً مع انفتاح العالم العربي على الغرب والدول الأخرى. وهذا يتوجب أن يوقف بل يحارب ،لأن سد تلك المنافذ أمام الإسرائييين سوف يوقف كثيراً من الممارسات التي تعاني منها وفي مقدمتها الإرهاب والإتجار بالمخدرات وتهريبها بالاضافة إلى الحد أو القضاء على الجريمة المنظمة ناهيك عن قطع دابر الأيدي التي تعبث بالوحدة الوطنية وتعمل على تشتيت وحدة الفكر من أجل اشعال الفتن وتقسيم المنطقة. إن انعقاد القمة العربية بصورة منتظمة يمكن أن يطور بحيث يتم تحديد معالم الإرهاب الإسرائيلي المتجذر داخل العالم العربي وتتخذ الاجراءات المناسبة للقضاء عليه. وكمقدمة لذلك لا بد لكل دولة عربية أن تقوم بإنشاء جهاز خاص بمكافحة أنشطة الموساد على غرار ما تزمع حكومة دبي في الامارات العربية المتحدة انشاؤه. إن ايقافهم وشل نشاطاتهم سهل إذا خلصت النوايا وصلح العمل. والله المستعان.