في حال قلّ عمرك عن الثلاثين عاما لا أتوقع منك تذكّر مسلسل "رجل الستة ملايين دولار" أو بطله ستيف أوستن ...! وهو على أي حال مسلسل قديم بالكاد أتذكره على القناة السعودية الأولى عن طيار أمريكي تعرض لحادث تم على إثره تعويضه بأعضاء وأطراف اصطناعية خارقة .. ورغم مظهره الخارجي العادي حيث يظل محتفظا بوجهه وبشرته وشكله البشري إلا أنه يملك قوه خارقة تتيح له ليّ المعادن والجري بسرعة السيارات وحمل أثقال يعجز عنها عصبة من الرجال (ضمن مشروع لصنع انسان خارق كلف 6 ملايين دولار باسعار ذلك الوقت)!! ... وحين أنتج المسلسل لأول مرة عام 1974 كان يعد من قبيل الخيال العلمي (خصوصا أنه اقتبس بالفعل من رواية خيالية تدعى Cyborg لمارتن كايدن) غير أنه انتقل اليوم الى خانة الممكن والمتوقع!! والانسان البيوني أيها السادة هو الخليط بين الانسان والآلة بغرض تحسين قدرات الجسم البشري .. وهو فكرة خيالية قديمة بدأ العلماء في تحقيقها على مدى ستة عقود .. وفي أيامنا هذه هناك حالات بشرية استحوذت على ما نسبته 20% من الأجهزة التعويضية .. ومن المؤكد أن هذه النسبة ستزيد في العقود التالية حتى تصل الى مانسبته 50% أو 70% أو حتى 90% من جسم الانسان ... ويمكن القول إن محاولات الإحلال هذه تعود بجذورها الى ستينيات القرن الماضى حين نجح الجراحون الفرنسيين في وصل اعصاب الانسان بمجسات كهربائية دقيقة . وهذا الانجاز اثبت يومها إمكانية وصل اي آلة بأعصاب الانسان ووضعها تحت سيطرة المخ مباشرة... وحين أبحث بذاكرتي اليوم أتذكر إنجازات "بيونية" مدهشة مثل زرع شرائح الكترونية لتحسين الذاكرة ، وعيون الكترونية لاستعادة البصر، وأطراف إلكترونية لضحايا الحوادث والحروب، واقطاب كهربائية في الدماغ لتخفيف أعراض مرض باركنسون ... أما أعظم الإنجازات فهي بلا شك محاولات الربط بين مخ الانسان والاجهزة الإلكترونية بحيث يسيطر الانسان على الآلات بمجرد التفكير فيها .. وأذكر بهذا الخصوص نجاح العلماء في تسخير اشارة عصبية (التقطت من مخ قرد) لتحريك ذراع ميكانيكية على بعد الف كلم في اليابان .. وقبل خمس سنوات تقريبا عرض متحف لندن للعلوم روبوتا آليا يرى من خلال عين سمكة حقيقية كمثال على امكانية الدمج بين الأجهزة التقنية والأعضاء الحيوية .. اما سلاح الجو الامريكى (وشركة الاتصالات البريطانية في الجانب المدني) فيرعيان دراسات متقدمة لزرع رقيقة الكترونية صغيرة فى الدماغ البشرى تضاعف من قدراته العقلية ؛ فبواسطة شريحة كهذه يمكن للعقل التفاعل مباشرة بالكمبيوتر والدمج بين القدرات البشرية وإمكانات الحاسب الالي . كما ستتيح الشريحة تخزين معلومات هائلة ومعقدة مثل استيعاب كافة لغات العالم او تحميلها بأوامر عسكرية تعدل لاسلكيا حسب بيانات المعركة !! وهذه في مجملها امثلة تبشر بظهور مخلوقات بيونية تجمع بين الانسان والآلة .. ولك أن تتصور خلال عشرين عاما من الآن انسانا اجتمع فيه قلب كهربائي وأنف الكتروني وكلية صناعيه وأطراف خارقة تمنحه قدرات "ستيف أوستن" وتتيح له العيش لخمسمائة عام؟ وان استمر تقدمنا بهذا المنوال فبحلول عام 2050 لن يكون غريبا مشاهدة انسان نصفه او ثلاثه ارباعه اجهزة الكترونية والباقى كما هو معتاد لحم ودم وعظام .. اما فى سنوات اكثر تقدما فقد يكتفى البشر بأدمغتهم ويغيرون اجسادهم الهرمة او المريضة بجسد الكترونى كامل !! ... وفي الحقيقة ... توجد من الآن في فرنسا وأمريكا واليابان أدمغة بشرية محفوظة (ومصبرة) لأموات يأملون زرعها مستقبلا في رجال آليين !!