يقع قسط كبير من تطوير التعليم على كاهل المعلم باعتباره المحرك الأساسي للعملية التعليمية. وإذا لم نحصل على معلم متميز، فلن نتمكن من المضي قدمًا في خطط التعليم التطويرية. ومن هنا تأتي الحاجة إلى تهيئة بيئة علمية وعملية للمعلمين عن طريق تشجيعهم على تطوير مهاراتهم وقدراتهم، إلى جانب استخدام طرق تدريس ووسائل تعليمية متنوعة وشيقة تنقل المعلومة بسلاسة وبطريقة حديثة تُراعي احتياجات المتعلم. وإذا كان المعلم قد لعب دورًا محوريًا في التعليم المركزي حينما كان مصدر المعلومة الأوحد وظل الطالب مجرد مستقبل سلبي، فإن دوره في التعليم الحديث أكثر أهمية. ويبرز هذا الدور من جانبين: أحدهما أنه يراعي تعدد مصادر المعلومة التي يمكن أن يتلقاها الطالب، بخلاف التعليم التقليدي المركزي الذي يجعل مجرى المعلومة وحيدًا مصدره المعلم وموجهًا نحو طالب هو متلقٍ نمطي والجانب الآخر هو مراعاة ردة فعل المتعلم ومشكلاته واحتياجاته، واستدراك علاقته التواصلية مع المحتوى المعرفي والعاطفي. ومن هذا المنطلق، نجد أن النظريات التعليمية الحديثة تركز على التعليم الاجتماعي الذي يعتمد على بناء المعلومة بمشاركة الطالب، بحيث يشارك في العملية التعليمية ويشكّلها، ويؤثر بشكل حيوي ونشط في تحديد أهدافها ومسارها. وعليه، فإنه يمكن توقع مخرجات تعليمية أكثر علمية ودقة يساهم فيها المتعلم نفسه. هذه الطريقة تعترف بالمعلومة القديمة في عقل الطالب؛ فتبني عليها معلومات جديدة، وتربطها مع بعضها بشكل منطقي مترجم عمليًا على أرض الواقع، بحيث يكون لتلك المعلومات معنى في حياة الطالب. إن الحوارات المنظمة بين الطلاب أنفسهم أو بين الطلاب والمعلم، وكذلك الأنشطة العقلية التي تعتمد على المجموعات بأنواعها تنمّي العقول وتنشط التعاون من خلال التشجيع على تقدير روح الجماعة وأهميتها. ويتوقع من هذا الأسلوب أن يجعل الطالب يحترم دور كل عنصر في المجموعة، ويخفف من الروح الفردية لديه. مما يساعده على أن ينظر إلى نفسه على أساس أنه جزء من مجموعة وليس الأهم. وبالمناسبة، فإن طرق التدريس القديمة تعمّق الروح الفردية من خلال جعل الطالب يعتقد أنه أهم من سواه لكونه يملك معلومة معينة. في حين أن التعليم الحديث يرى المعلومة مُشاعة ومصادرها متعدّدة؛ وعليه، فإن فضل تخزينها يعود إلى الذاكرة لا إلى العمليات العقلية العليا. ومن هنا، فإن امتلاك المعلومة هو مشاركة للجميع دون تميز عليهم؛ لأن التميز يظهر من خلال استخدام المعلومة واستثمارها وتوظيفها وتحليلها. وعند الحديث عن تطوير المناهج وطرق التدريس في مراحل التعليم العام والتعليم العالي يجدر بنا الاطلاع على النظريات الحديثة والمدارس التعليمية المتطورة حول العالم. وهو جهد ضروري لمواكبة المستجدات واستثمار التقنية والمتغيرات الحديثة التي نعيشها في هذا العصر. وفي هذا السياق، فقد أنجز الزميل الدكتور عبدالله السريع، عضو هيئة التدريس في قسم المناهج وطرق التدريس بجامعة الملك سعود، ترجمة لكتاب عن طرق التدريس الحديثة بعنوان: "خمسون إستراتيجية لتعلم وتعليم المحتوى الدراسي للطلاب"، والكتاب من تأليف كل من: دوجلاس فيشر؛ ووليم بروزو؛ ونانسى فراي؛ وجاي إيفي. يضم هذا الكتاب معلومات قيمة عن استراتيجيات مختلفة يمكن الاستعانة بها لتطوير مهارات الطلاب داخل الفصل، لكي يصبحوا أكثر جرأة على النقد والتحليل والحوار باستخدام طرائق متعددة لتشكيل مجموعات ديناميكية تُهيئ فرصًا متساوية لجميع الطلاب في تبادل الأدوار عند مناقشة قضية معينة أو تداول فكرة ما. هذا، إلى جانب تعلم طرق عملية للتذكر وأخذ الملاحظات وطرح الأسئلة وتحليل الإجابات. إضافة إلى التدرب على أنواع القراءة: مثل القراءة المستقلة والتوليدية والقراءة بصوت عالٍ وغير ذلك. ويحتوي الكتاب كذلك على خطوات عملية للتدريب على الكتابة والقراءة ومهارات تحليل النص واستنتاج الأفكار وتقويمها. وحتى يمكن الإفادة من المعلومات والخبرات الفعالة التي ضمّها هذا الكتاب، وهي موجّهة للقائمين على العملية التعليمية من معلمين وآباء وأمهات، أجد أنه من المهم أن يقتنع المعلم بضرورة تطوير طرق تدريسه، ويتقبل النقد البناء لكي يقبل فكرة تحسين قدراته؛ فيسعى بإرادته إلى الانخراط في الدورات التدريبية والمشاركة في ورش العمل والمحاضرات والمؤتمرات التعليمية وقراءة الكتب المتخصصة في مجاله. ومما يجدر ذكره أن طرق التدريس الحديثة التي تعتمد على تقدير مشاركة الطالب لاتقتصر على تخصص معين بذاته، فبقدر أهميتها في التخصصات الإنسانية، فهي كذلك ذات أهمية في التخصصات التطبيقية. وليس صحيحًا دائمًا أن التخصصات التطبيقية لاتحتمل النقاش والحوار والنقد والتحليل لكونها تعرض حقائق علمية أو لأنها تحوي أعدادًا كبيرة من الطلاب ربما تعيق فكرة النقاش وتكوين مجموعات الحوار. وشبيه بهذا العذر القول بأن ثمة موانع للتعليم التفاعلي مثل طبيعة المنهج، وعامل الوقت، وميول المعلم وغير ذلك من قائمة الأعذار الطويلة التي يؤمن بها بعض المعلمين والمعلمات ممن ينقصهم الصبر وتعوزهم المهارة في إدارة النقاش وفتح مجالات الحوار المعرفي مع طلابهم. ولعل ظهور كتاب "خمسون إستراتيجية لتعلم وتعليم المحتوى الدراسي للطلاب" الصادر عن جامعة الملك سعود مؤخرًا، يعطي المعلمين فرصة لتغيير قناعتهم في الاستمرار في استخدام أساليب تقليدية في التعليم، ويفتح أمامهم الأفق لاكتشاف مهاراتهم الذاتية في تقديم تعليم فعّال يُعطي نتائج ذات جدوى.