عقلُ الإنسان في المبدأ خلاق، مبدع، متطور، مستوعب، قادر على إحداث التحولات، وصناعة المفاصل التاريخية في الحياة، والمجتمع، وهو مؤهل لأن يجعل من الأحلام، والأفكار حقائق معاشة وملموسة، وأن تكون له بصمة في صياغة الفعل التنويري، وإخضاع مسيرة المجتمع إلى حالة انعتاق من أنماط التخلف والجهل ، وتكريس الوثبات التنموية التي تثري الحياة بالعطاء، والإنتاج، والإبداع، والخلق، والثراء المعرفي والثقافي والإنساني الذي هو هدف الشعوب، وغاية المجتمعات، ونضال الكائن البشري في مساراته عبر منعطفات العيش. العقل البشري في المبدأ هو من يصنع المعجزة، ويحولها إلى منجز إنساني، وفكري، وهو في الغالب الأعم لو استغل بالشكل السليم والصحيح، وبُني على مفاهيم، وأنماط حياة حرة وخلاقة لحوّل المجتمعات إلى فضاءات إنجاز على كل الصعد الإنسانية، ولحقّق ما يشبه المستحيل من التحولات التاريخية في السلوك، والفهم، وقراءة المستقبلات بصورة واعية ومستشرفة، وبهذا تكون المجتمعات، والأوطان، والأمم قد استفادت من عمل العقل في بناء شخصيتها الثقافية، والحضارية، ووطنت الخلق والإنتاج كسلوك في مساراتها الحضارية. إذن: العقل هو المحرك لكل منجز، والعقل هو الكون، وجد مع بداية التكوين، ومع بداية البشرية، فهو سابق لكل ما سوى إنتاج العقل. والسؤال، السؤال.. - هل هي حقيقة علمية ثابتة أن العقل يتوقف عن النمو، والعطاء، والخلق، في فترة زمنية محددة، أو عند مرحلة عمرية للإنسان..؟ بمعنى. - هل يشيخ العقل بشيخوخة الجسد. ويكون غير قادر علىالعطاء وعلى ممارسة إحداث التغيير، والتفاعل مع الناس، والحياة، والتأثير في مضامين صناعة الحاضر، والمستقبلات؟ أحسب أن هذا الكلام غير دقيق، إن لم أقل إنه لا يخضع للمنطق ؛ فالعقل لا يتوقف، لا يشيخ، لا يتعب ويرهق، إنما الكارثة أننا نعطله، نوقف عمله، نجعله ركاماً بليداً مشوهاً يجتر ثقافة هشة ومحدودة، ويحبو عند مفاهيم ومورثات ثقافة اجتماعية تحولت إلى طلل. نحن نرفض أن يعمل العقل في التفكير، والاستنتاج، والاجتهاد، وأن يحتكّ بثقافات، ومفاهيم ورؤى شعوب أخرى وأن يستفيد من تجارب وإنجازات الآخرين دون حساسية، أو حرج، أو تخوف، أو رفض لمجرد الرفض. ونختم بقول النواسيّ: «قل لمن يبكي على رسم درَس واقفاً ما ضرّ لو كان جلس»