14 اكتشافاً جديداً للنفط والغاز في السعودية .. دفعة جديدة استراتيجية للنمو الاقتصادي وأمن الطاقة    ارتفاع عدد ضحايا انهيار مبنى بالدومينيكان إلى 184 شخصًا    العالمي يزيد الراجحي يواصل مشواره البطولي في باها الأردن    د. محمود الجرف يفوز بجائزة وينبرغر العالمية    أمطار رعدية ورياح نشطة تؤثر على عدة مناطق في المملكة    شركة بترومين وإلكترومين تتعاون مع فريق نيسان فورمولا إي استعدادًا لسباق ميامي إي بري    مدرسة الملك عبد العزيز في صبيا تعقد لقاء استعراض بطاقة أداء المعلم    90 دولة تشارك بمهرجان الثقافات والشعوب    الإحصاء تنشر نتائج مؤشر الرقم القياسي للإنتاج الصناعي لشهر فبراير    محافظ أبو عريش: إنجاز الكواكب مشرف    وزير الخارجية يلتقي مستشار الأمن القومي الأمريكي    محافظ بيش ينقل تعازي سمو أمير منطقة جازان وسمو نائبه لذوي الطالب معاذ شيبة    محافظ الطوال يعزي أسرة المرحوم الشيخ عبدالرحمن بن حسين النجمي    كنوزنا المخبوءة    «السمان».. زائر موسمي للشمالية    العراق يحدد 11 نوفمبر موعدا للانتخابات البرلمانية    ولادة أول ظبي رملي لموسم ربيع 2025 في السعودية    نمو تراخيص مرافق الضيافة 89 % في 2024    نمو سجلات التجارة الإلكترونية    في الجولة ال 27 من دوري روشن.. الاتحاد يستقبل العروبة.. والهلال في ضيافة الاتفاق    سان جيرمان يعبر أستون فيلا بثلاثية ويضع قدمًا في نصف النهائي    برشلونة يقسو على دورتموند ويضع قدماً في نصف نهائي أبطال أوروبا    تعزيز العلاقات التجارية مع سنغافورة    عيدية أبو سلمان لأهل الرياض.. كسر احتكار العقار    ولادة ظبي رملي بمحمية الأمير محمد بن سلمان    أسرتا الصفيان والعديلي تحتفلان بزواج «محمد»    جمعية الإدارة الصحية بالشرقية تقيم «عيدنا أنتم 5»    آل أبو نار وآل الشدوخي يتَلقون التعازي في فقيدهم علي    الصين تنفي إرسال جنود للمشاركة في الحرب بأوكرانيا    فيلم "إسعاف" ينطلق في السينما السعودية 17 أبريل    عبير تكرم الفائزين ب «الأقلام الواعدة»    اكتشاف كواكب تبعد عن الأرض 6 سنوات ضوئية    مملكة الخير وميلاد قطب جديد    صندوق النفقة    الإيرانيون متشائمون بعد توتر وعقوبات على مدى عقود    الاستقالة فنّ لا يتقنه إلا الأذكياء    من إيريك فروم إلى الذكاء الاصطناعي    الصبر على أذى الآخرين.. سمو النفس ورفعة الأخلاق    تحت رعاية الملك.. حَرم خادم الحرمين تكرم الفائزات بجائزة الأميرة نورة    وكر الكوميديا    لماذا لا يكتب المحامي مثل الدعوجي؟    أطفالنا لا يشاهدوننا    الحسد    حين يتصدع السقف    العبدلي: تنتظرنا مباراة صعبة في الشارقة    "جوازك إلى العالم" يحتفي بالجالية السودانية في الخبر    صم بصحة نموذج تكامل بين المجتمع والتجمعات الصحية    الكوليرا تحصد الأرواح في جنوب السودان    الغارات الأمريكية مستمرة لإسقاط الحوثيين    ضبط شخصين في جازان لترويجهما (11.7) كلجم من مادة الحشيش المخدر    أمير الرياض يؤدي صلاة الميت على عبدالله بن مساعد آل عبدالرحمن    سطوة المترهلين في الإدارة    خادم الحرمين يتلقى رسالة شفوية من رئيس ليبيريا    أمير حائل يستقبل رئيس الهيئة العليا للحج والعمرة بجمهورية العراق ووزير الحج والعمرة    وزير الدفاع ونظيره العراقي يبحثان تعزيز التعاون العسكري    إنجاز طبي سعودي.. استئصال ورم في الجمجمة بالمنظار    التصوير بالرنين المغناطيسي يضر الجسم    النقل الإسعافي يستقبل 5 آلاف بلاغ بالمدينة المنورة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



سنية صالح/لا تأخذيني، أيتها الريح، ما أنا إلا ورقة صفراء..!
العابران وحشة الرؤيا وعزلة الموت 2- 2:
نشر في الرياض يوم 30 - 12 - 2004

مطالعتان نقديتان عن شاعرة وشاعر، هما، سنية صالح " 5391- 6891" ومحمود البريكان " 9291- 2002" لعلى بهما من خلال صدور مختارات لهما أن نضيء عتمة تطول ولا تنتهي، نشرتها للأولى منظمة اليونسكو: "كتاب في جريدة" قدمها ممدوح عدوان - رسم: نذير إسماعيل، بينما للثاني مختارات أعدها باسم الرعبي ونشرتها منشورات الجمل - 3002، فإلى الجزء الثاني من المقالة المعنية بتجربة سنية صالح الشعرية حيث تحدثنا عن طريقة المختارات وتغييب التعريف بزمنها، كتبها وحالها نتناول هنا مسائل شعرية تخص تجربتها فإلى ذلك:
ورع الصيارفة
.. هل يسعني الولوج في غابة نصوص سنية المكثفة في رؤياها من وحشة واكتناه موتها من عزلة كأني بها من ساحرة خيرة تكتب كتاب ظلالها (61) وطقوسه. ثلاثة عناصر في شعر سنية صالح تعيد تشكيلها بالترميز تارة في صياغة ونسج خلابين تحوزهما عن قدارة في نصوصها: الموت/ غراب، عناصر الحياة/ ماء - تراب، هوس الأفرموية (71) ثنوية الكائن: روح/ جسد، ذكر/ أنثى.
.. هنا سوف اتخذ نصاً لها من مجموعتها الأخيرة (81) ونرى تلك الروح الشاعرة فيها التي تلمسته منذ أن صافحت قصائدها دماء وجهي. ماذا تقول الروح الشاعرة في صوته سنية صالح:
"حلق، أيها الغراب، ها هو التنين
قد ظهر في الحلم. بدا يعرض قواه
أمامي حتى سحقني..،
وأدركت أن من التفاهة
أن يخلق الكائن إنساناً.
@@
وأمرني أن أفك خلايا جسدي
وأتقدم بها..
ليعيد طقوس البائدين." (91).
.. إن هذا النص أعطاني في أول تمثل لغوره النفسي: "الموت والأماني المستحيلة" من خلال رمزيتي الخطاب المستعيرة حيوانين يحملان دلالتهما الحاضرة والغائبة: الغراب حامل الشؤم والموت. التنين رمز خافية الإنسان لكل ما هو كلي القدرة والرعب (02). الحاضرة هي الموت من أسبابه الظاهرة المرض وسواه . والغائبة هي وجود التنين في خيال البشر رمزاً للغموض وما لا يدرك في ضجيجه داخل النفس المضطربة المنتهية من عالم الوجود وما انتهى عالم الخفاء الذي ستذهب إليه.
.. أما اطلاع بشأن أصوات الكلم، يرد القاف بكل ما يعني من حال احتباس أو إزهاق روح. ألا نذكر آية قرآنية تحمل أسرارها: {كلا إذا بلغت التراقي@ وقيل من راق@ وظن أنه الفراق @ والتفت الساق بالساق}. (القيامة: 62- 92).
.. ألا نعيد التطلع إلى كلمات النص حاملات صوت القاف: حلق، قد، قواه، سحقني، يخلق، أتقدم، طقوس" أما حملنا معنى التقى ونصنا السابق: موت حيث جاء الموت وآخر سحبه سرطان الموت. سنية المرأة كانت بينهما، بل صارت بين القاف والتنين كما كانت بين الغراب والسرطان.
.. هل أبعد نحو ما وراء النص لنكتنه مغزى: "ليعيد طقوس البائدين". زما رأت نفسها قرباناً، كما طاهرات بابل المنذورات في معابد الروح، حيث تمائم وإشارات الحلم ذلك الكلي الرعب والطاقة المتفلتة من وعيها، ربما المرض: السرطان، حين تتقدم بخلايا جسد فتته علائم المرض وتناقص المناعة الجسدية، ألا تشعر الروح أنها ستنفلت بخسران الجسد، فما الذي سيعظم إن لم يهن أن تنعدم تلك اللحظة معنى تمسك الروح بمنزلها: الجسد قبالة ما تساوى فيه نقيضان: الخلق والسحق؟.
.. أليست الأسطورة من الصحراء: الغراب. ومن عالم الحضارات الناسية أصلها الطبيعي جاء نص سنية منفتحاً على ضوء الكون. سنية غابت إنما تركت في نصها حياة مكتملة بين دنيا وآخرة كسبت فقه الحياتين ما كانت فيها وما بدأت فيها من بعد صراع التنين الذي دعاه الغراب إلى وليمة جسد هوى على أن الروح كانت تنهره. لم يتحمل العبء ولم يتأخر عن سفك قربانه. (12).
.. إن هذه الطقوسية هي استمرار لإعادة صياغة عناصر شعرية يتكئ عليها مشروع سنية صالح الشعري الذي تبين ملامحه ولا تخفى من بداعة حيث نتلمس تلك الحالات مكثفة ما لاحظه أحد الباحثين في أحد نصوصها:
"ها هي المياه
تخفي ملامح أنوثتها
وترتبك أمام العاشق
أيها التراب، هل يعذبك عناقي
أو يحيرك ذلك الطيف العظيم،
جسدي؟" (22)
.. إذ يعلق الباحث عن النص بأنه: "يقوم بمختلف عناصره على تعميم فعل الخصوبة كونه المجدد الأول (حيث) تشير مفردات النص إلى أهم العناصر التي توجد الحياة، وتكون أصلاً لها، إضافة إلى ما تزخر به هذه المفردات من رموز تشع بمعان حملتها عبر مسيرتها التاريخية الطويلة" (32).
.. أما على صعيد الصورة الشعرية في شكلها الحسي، على خلاف الذهني والمركب، تعطي مجالاً واسعاً من كشف سيرة النفس وأفكارها من خلال الحواس كوسيلة للكشف في إحدى مراحل المعرفة أو حتى التفاعل الحياتي بكل أنواعه وأظلاله:
"لا تأخذيني، أيتها الريح
أبعدي أذرعك القاسية عني
ما أنا إلا ورقة صفراء هشة
سقطت البارحة عن هذه الشجرة
وها أنا أدور حولها وأدور
استظل بها،
وأحلم بالرجوع إليها(42)
.. هنا نتلمس أحد عناصرها الشعرية الثلاثة وهو تنافر ثنوية الكائن: روح/ جسد مقابل هوس الأفرموية حيث: "تظهر الشاعرة، منذ البداية (بأنها) تعاني أزمة مجابهة مع العالم. وتفيد هذه المجابهة في كونها، أي: الشاعرة، غير حرة في تخير المكان أو الزمان اللذين تشكلت فيهما الأزمة ونمت، وأنها في موقع لا يسمح لها أن تكون قادرة على التمسك في الموقع الهزيل الذي يشعر بضحالة الكائن"(52).
القمر بقرنيه أم بهلاله؟
.. إن جدلية العشر - النثر لا تخرج تماماً من دائرة الشعر ولا تصله بأقرب خط لمتون السرد، القص وشجرته، بل إنها توهمه أنه ابنها بينما النثر في الأصل هو أم الشعر إنه الوجه المؤنث من القمر إذا حمل قرنيه كثور يحمل رمزية كل ما هو أنثوي/ مجوَّف وجامح بينما إذا ما قلّص نحو هلال، وهذه إحدى صوره المتحولة، يأتي وجهه الذكوري، لكنه ذو نقص بالتأكيد ما لم ير الوجه الآخر منه على اعتبار أن ثمة ما يحسم من هوية النوع: نثراً أو شعراً مع تجاهل السالب فيه أي: محدودية الجنوسة، وفاعليته تتعطل في الفضاء الفاصل بين ذاتين أو نوعين: شعر - نثر حين يتوهم بأنهما مختلفا التكوين(62).
.. إن صورة الشعر الأولى حملتها كثير من النصوص التي حفظت لنا مبتكرات الأدب السامي في مرحلة التاريخ المفتوح: ملحمة الخليقة، الطوفان في الأدب السومري(72) كذلك جلجامش وأنكيدو في الإطار البابلي(82) كذلك ما النصوص الكنعانية: أساطير، شريعة، المزامير والصلوات(92) كذلك كل الشعوب الاسماية التي أتت بعدها: آرمية، عبرية، وعربية غير أن في العربية شهدت ارتباكاً ثقافياً بسبب الفسحة التاريخية المظلمة التي لم تسهم بها شيئاً سوى النسيان والوقوف الجزئي الطويل ما بعد سقوط بغداد بيد المغول وبعث النهضة في القرن العشرين الميلادي شبيهة بفترة الموات التي حدثت من قبل في العبرية بعد سقوط مصر بكارثة طالتها مع براكين سيناء ودمار كريت التي أدت إلى تيه قوم موسى عليه السلام وحكم الهكسوس (فرسان الخيل) شعوب سامية من أبناء مملكة سبأ(03).
.. كأن الدمارات التي حاقت بأوغاريت (مدينة كنعانية) وبابل (مدينة البابليين) والحجر (مدينة الثموديين) لم تحرق أصداء بنيها وبناتها الشعر. ألم يتركوا ذهب النسيان كلمات لا يغرقها البحر ولا تحرقها شمس؟
.. ذلك أن الشعر هو ابن اللغة إيقاعاً ومجازاً في صورة هو ما نشيد بوزن أو قصيدة بدونه(13) حملت لنا النصوص، نصوص التاريخ الحركي في الأديان السماوية الثلاثة: شعرية سواء ما فصَّل أمره متفقاً في أسفار الحكمة من العهد القديم (التوراة): أيوب، المزامير (الزبور في القرآن)، نشيد الأناشيد كذلك في العهد الجديد (الإنجيل): إنجيل يوحنا. أو ما تناثر في القرآن الكريم بتكوينات نصيه تمتد لتشمل سُوراً أحياناً غير متقصدة خاصة في المكي منها: الكهف، مريم والنجم(23).
.. من هنا ما جعل التكوين النصي ضمن إطار الشعر العربي فيما اطلع أن يسمى: قصيدة النثر كابنة شرعية لا تغيب سواء بمختلف أساليبها أو حتى منابعها عن ذلك التراث، ومن احتمال التجديد عليه، سوى أنها تنقلت تحت مبدأ نظرية المحاق الأدبي(33) الذي أغناها وأعاد لها بدماء جديدة سبيل حياة أخرى.
.. هذا ما تلمسه أحد الباحثين(43) على مستوى النمطية الإيقاعية - خارج مفهوم الوزن في ظاهريته المؤطرة: تناظر/ عامود أو تفعيله - من بعض نصوص قصيدة النثر العربي مقسماً إياها عبر ملاحظاته:
1- إيقاع المتعانق، المطرد والمتصل حيث تطغى عليه إيقاعات نابعة جوهرياً من بنى لغوية طارئ.
2- إيقاع المتفاصم، المنقطع والمُفقر حيث تطغى عليه ايقاعات نابعة من بنى لغوية تليدة تعود للبروز مشكلة باستمرار تاريخياً للبنى اللغوية السائدة في الكتابة العربية53).
.. تنتمي نصوص سنية صالح إلى النوع الثاني مما نرصده في الحالة الإيقاعية لمختلف نوعية كتابة قصيدة النثر في الشعر العربي، وسوف اتخذ نموذجي من نص مهم لها هو: "راميو الألف وبودلير العشرين" من مجموعتها الأخيرة: "ذكر الورد - 8891" من خلال مقاطعها المرقمة تباعاً سوف انتخب الرابع والخامس منها لكي نتلمس ظاهرة التفاصم الإيقاعي أو التمايز الإيقاعي(63) عبرهما ضمن بنية النص الكاملة المتنوعة بالتأكيد من خلال موضوعها وصياغة شاعرته إنما سنتلمس ذلك من خلال التركيب الذي تباين في الإنشاء بين النداء (مخاطبة تباشُر) والتمني المقدر (مناجاة ضمنية) إذ نراه في المقطعين المنتخبين على التوالي:
- المقطع الرابع -
"أيها المقنعون بكل ما نحب
وما نكره
لِمَ لا تصغون إلي؟
لساني ثقيل سيذهلكم
إذا ما انطلق مرة واحدة..
أيها الغامضون
إذا مسستكم بسيفي
شطرت لسانكم إلى ألف
كل شطر يناقض الآخر.
أصغيت إلى الأعراب والخراسانيين
وبقيت أصغي
حتي تساقطت أذناي في حسابات الطرق
والمسافات..
ولسعتني الهزيمة.."(73)
المقطع الخامس
"لو أن الكارثية تنشطر
وبنيت عليها الشجر والعشب الجميل..
لو أن الملائكة تخرج من الحجار
والأحباء من شفرة اليأس..
لو تجري أعظم الأنهار فوق راحتي
لو يرتوي هذا الظمأ.."(83)
- ينبني المقطع الأول - الرابع في النص - على تشكيل عباري يعتمد صيغة الابتداء في النداء (أيها) وسبكها بأداة الشرط (إذا) وما بينهما تفصيل وإسهاب، على النحو التالي:
- "أيها المقنعون/ إذا ما انطلق مرة واحدة..".
- "أيها الغامضون/ إذا مسستكم بسيفي".
.. حيث سنرى أن ختام العبارة الأولى في المقطع الأول الذي ابتدأ بصيغة النداء انتهت بتعليق جملة الشرط أي متروكة للتقدير بينما تلت مباشرة صيغة الشرط المجاب عليها في العبارة الثانية - ضمن المقطع نفسه - كيلا يختل زمن الحدث المعبر عنه بصيغة الماضي لأنه ليس بعضه للتقدير، فهو منته من خلال الأفعال بصيغة الماضي الآتية: "أصغيت/ بقيت. تساقطت. لسعت" هنا نلحظ من خلال بنية العبارة المصوغة بالنداء والشرط تمايزت أو تفاصمت على مستوى المقطع الواحد لحظة ما تحول الزمن بها من (مخاطبة تباشر) توصلاً لما حدث وصار ماضياً. بذلك سيكون تمهيد وصولنا للمقطع التالي الذي سنبني على مستوى من هذا التداعي الخلاق سواء بتقطيعه أو تفقيره على إيقاع التشاكل العباري كما نرى حيث ينبني على أداة التمني المقدر (مناجاة ضمنية) بجملتين: تحملان أداة التمني المقدر (لو أن) مقرونة (بمصدر أو اسم):
- "لو أن الكارثة تنشطر.."
- "لو أن الملائكة تخرج من الحجار.."
.. ثم تتمايز في داخل بنيتها وتنفصم إلى أداة التمني المقدر (لو أن) مقرونة فعلاً بصيغة الماضي عبر الجملتين التاليتين:
- "لو تجري أعظم الأنهار فوق راحتي"
- "لو يرتوي هذا الظمأ.."
.. ومنها ليكون التمايز على مستوى المقطعين جزءاً متراسلاً على مستوى التسلسل العباري لتكوين مقاطع النص الشعري أجمع(93).
.. لعلي فيما سبق دخلنا غمار نصوصها عجالة على أن ما في المختارات شبيه ما يمكن أن يوصف بكتاب تعريف، لكن تجاوزاً لما يمكن أن نلحظه من هتك للقصائد تحت مسمى الاختزال وما شابه أن وضع تعريف عن الشاعرة: زمنها كتبها حالها ليتسنى تذكرها ووضعها في مكانها الصحيح ما دام زمن وجودها ظلمها، فهل نكون ظلاماً جدداً لها؟.
.. ربما أصداء ما يحدث لها تنبأت به بكل عنفوان النبوءة كأنما هي استسراراً من جداتها الكاهنات اللواتي حقبن التاريخ لو بأقل ما يشتهي من كوارث يستمرئ بها، لكنها تمضي عند عقل مؤرخها تسليته ومنحوتته التي يشكلها بكلامه وأحلامه حتى إذا نطقت كفر بها وأثبت عدم اشتراعه على مصادرة نوايا وجودها كأني بسنية مازالت تنطق من عالمها الآخر ما قالته في عالمنا:
"خريف مبدع، لكن يدمر أنثاه
وعندما يترنح رأسه
يشرب من كأس أنوثتي
كأس من خريف المعدن
من غموض اللغة والشعر
كيف يشغل حروبه
وأنثاه تكنز ذلك المطر..؟"(04)
.. هل تكون المرحلة القادمة مجالاً لإعادة الاهتمام بها ووضعها مكانها في مدرج الساحة الشعرية التي طلعت في زمانها وساهمت من خلال موهبة أثير الغبار عليها لعنة وإقصاء لا نعلمه حتى الآن، ولعل فيما عرضنا أن يكون دافعاً أقله إعادة نبش تراثها من شعر وقصة سواء ما طبع ونفد أو ما توازع المجلات الأدبية ليوثق ويتاح للأجيال القادمة من مبدعين ونقاد للتفاعل معها.
هوامش:
61- كتاب الظلال. عادة ما تتطلع عليه الساحرات في التراث الأوروبي الأسطوري لنفث عقد أو فكها.
71- نحتاً على مسؤوليتي، من إرمافروديتوس. ابن هرمس: رسول الآلهة، وابن أفروديت: لألهة الجمال والحب. توسلت آلهة الماء عندما رأته ابنهما يستحم في ينابيع الماء التي تحرسها، ليمنحوها نعمة الاتحاد به. راجع: دراسات في فلسفة المادة والروح، ندرة اليازجي، المجلد الثالث، دار الغربال - 9991م.
81- عوض أن كل نصوصها تحتاج دروساً وبحوثاً لعل ذلك في المستقبل.
91- ص: 47، ذكر الورد، سنية صالح، شركة رياض الريس -
02.8891- ص: 941، حديث الاحلام، آنيا تيار، ت: اديب الخوري، دار الطليعة الجديدة -
12.8991-اجتذذت هذه المطالعة النقدية من مخطوطة اطروحة جامعية، لكاتب المقال: "بيان حجري: وظيفة الادب وتعليله/ منهج نقدي مقترح".
22- ص: 39، قضايا الابداع في قصيدة النثر، يوسف حامد جابر، دار الحصاد -
32.1991- ص: 49، المرجع السابق.
42- ص: 051، المرجع السابق.
52- ص: 151، المرجع السابق.
62- ص: 402، فتحت من المعنى الذي تناقشه الكاتبة فيما يخص التجنيس على صعيد الادب مايغادر او يفتح افقاً في دراستها المعنوية: "الاختلاف الجنسي كنموذج - غيل شواب، ثنائية الكينونة، مجموعة من الكاتبات، ت: عدنان حسن، دار الحوار -
72.4002- راجع بهذلك: متون سومر، خزعل الماجدي، الاهلية -
82.8991- راجع بذلك: انجيل بابل، خزعل الماجدي، الاهلية
92.8991- راجع بذلك: التورارة الكنعانية، ديل ميديكو، ت: جهاد هواش - عبدالهادي عباس، دار دمشق -
03.0002- ص: 861، الشيطان والعرش، فاضل الربيعي، شركة رياض الريس -
13.6991- لا اقصد الوزن على الاطلاق من معنى الايقاع بل القوالب الصرفية سواء على صعيد الكلمة او الجملة في عباراتها الشعرية.
23- لاستيعاب ذلك بالامكان مراجعة نصوص او سور القرآن الكريم في فترتها المكية على ضوء مفهوم النظم بحسب الناقد الفذ عبدالقاهر الجرجاني في كتابه: دلائل الاعجاز، دار الكتاب العربي - 9991، ط:
33.3- المحاق الادبي: نظرية لترحل المتون الادبية عبر الالسنة والعقول كذلك التجارب والجغرافيا ماثلة في زمن آخر وحدود اخرى لتكمل ظاهرة الشمس الدائرة ازلياً: بالشروق والغروب ثم تعود مغسولة برياح تجربة اخرى واسم آخر.
43- قصيدة النثر وجماليات الخروج والانقطاع، كمال بوديب، مجلة نزوى /71، يناير -
53.9991- ص: 82، المرجع السابق.
63- قام بذلك من خلال مصطلح التمايز عبر احد نصوصها، ص: 203ومابعدها، قضايا - جابر، مرجع سابق.
73- ص: 68، ذكر - صالح، مرجع سابق.
83- ص: 68، ،ومابعدها، المرجع السابق.
93- يتضح في مقاطع النص طاقات ايقاعية متمايزة اذ في المقطع الاول والثالث: اسلوب الحكاية مقيمة تضارباً بين الفعلين: الماضي والحاضر ثم الاسلوب الابتهالي او الانشادي معقوداً بضمير الخطاب في المقطع الثاني بينما تعود لاسلوب الحكاية في السادس ثم الذهاب نحو السكونية في السابع والثامن معتمدة الجملة الاسمية ثم المشاكلة الانشائية بصيغة السؤال في التاسع والاخير.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.