لم يدر بخاطر الشعب العراقي حجم الإرهاب والبؤس الذي سيعانيه لسنوات مع عبور أول دفعة من الجنود الأمريكيين إلى الحدود العراقية في العشرين من مارس عام 2003. ففي غضون أشهر قليلة في أعقاب الغزو تحول العراق إلى مركز لاستقطاب العناصر الإرهابية المنتمية لتنظيم القاعدة من جميع أنحاء العالم. وفي المقابل تكونت الميليشيات الشيعية التي راحت تقاتل السنة والأكراد والمسيحيين ، كما قامت بطرد كل الفئات والطوائف التي تخالفها في المذهب إلى خارج المناطق الشيعية. ولأول مرة بعد مرور ست سنوات على دخول قوات التحالف الدولية بقيادة الولاياتالمتحدة إلى الأراضي العراقية يعرف الأمل طريقه رويدا رويدا إلى قلوب العراقيين. وأظهر أحدث استطلاع للرأي أجري الشهر الماضي أن 85 في المائة من العراقيين اعترفوا بأن الوضع الأمني في مناطقهم تحسن ، كما أظهرت نتائج الاستطلاع أن الإمداد بالوقود والكهرباء في رأي العراقيين لم يعد بالسوء الذي كان عليه العام الماضي. من ناحية أخرى أشارت الانتخابات المحلية التي أجريت العام الماضي في جو سلمي ودون ما يعكر الصفو تقريبا إلى تزايد أعداد العراقيين الذين ينشدون راحتهم في العملية الديمقراطية بدلا من دس المتفجرات هنا أو هناك. ويرى مراقبون مستقلون أن إعلان الرئيس الأمريكي باراك أوباما اعتزام إدارته تقليص حجم القوات الأمريكية في العراق خلال العامين المقبلين بشكل كبير أسهم في تكريس هذا الوضع الإيجابي. وكلما اقترب موعد الانسحاب كلما ازداد استعداد الأحزاب الشيعية والكردية الحكومية التي تستمد دعمها من الأمريكيين للتنسيق مع منافسيها وأعدائها ، وأبلغ دليل على اتجاه المصالحة الوطنية هو تلك المحادثات التي دارت منذ بضعة أيام بين الأحزاب الدينية الشيعية وأنصار حزب البعث المحظور رسميا والذي كان يتزعمه الرئيس العراقي الراحل صدام حسين بالرغم من أن هناك طائفة من الشيعة تريد أن يقتصر الحوار فقط على البعثيين الذين استبعدهم صدام حسين قبل الإطاحة به. من جانبهم فإن بعض البعثيين الذين يعيشون بالخارج يساورهم الشك في أن تكون هذه الدعوة الحكومية للحوار مجرد خدعة لاستدراجهم إلى داخل العراق من أجل اعتقالهم أو قتلهم. لكن ذلك لم يمنع بعض البعثيين من الخروج من مخابئهم ، بل إن رئيس الوزراء نوري المالكي استقبل منذ بضعة أيام أحد القياديين المعروفين في حزب البعث مما يدل على بدء ذوبان الجليد بين الطرفين. وعلى الرغم من خطوات الإصلاح الأولى هذه وعلى الرغم أيضا من التراجع الواضح في وتيرة الهجمات الإرهابية وهجمات قذائف الهاون خلال العام الماضي فإنه لم يعد من اللاجئين والنازحين العراقيين البالغ عددهم أكثر من 3 ملايين شخص سوى عدد قليل إلى العراق. ويشهد شمال العراق في منطقة الحكم الذاتي للأكراد وضعا مستقرا حقيقيا حيث إن الوضع في عاصمة الإقليم ، أربيل ، ليس أخطر منه في مدينة مثل بيروت ، كما أن الاقتحام البري للقوات التركية لهذا الإقليم بغرض تعقب عناصر حزب العمال الكردستاني لم يؤثر كثيرا على استقرار الوضع الأمني في الإقليم.