يترقب العالم مصير صناعة السيارات الأميركية، فتترنح مؤشرات الأسواق العالمية بين الارتفاع والانخفاض على أمل أن تصل الإدارة الأميركية والكونغرس إلى خطة محكمة تنقذ ما تبقى من عمالقة السيارات الأميركية، وتكون بارقة أمل لملايين العاملين في هذا القطاع والمهددين بشبح البطالة. الباحث في الشؤون الاقتصادية عبدالرحمن الزومان من مقر إقامته في لويس انجلوس-كاليفورنيا أكد أن انهيار هذا القطاع سيشل الاقتصاد الأميركي برمته، وسيتبعه كساد كبير أعظم من الكساد الأول الذي حدث في 1929م مؤثراً على دول العالم أجمع. وفي حوار مطول مع «الرياض الاقتصادي» وقف على تاريخ الأزمة وأبرز المشاكل التي تعاني منها عمالقة صناعة السيارات الأميركية. سجل قطاع صناعة السيارات بأميركا أكبر انكماش له منذ 26 عاماً في ظل الأزمة المالية الراهنة، كيف حصل ذلك بهذه السرعة؟ _ الأمر اكبر من مسالة انكماش أو ركود، هذه الصناعة العريقة على حافة الإفلاس والانهيار لأن حدوث هذا الأمر سيكون بمثابة الضربة القاضية التي سوف تشل الاقتصاد الأمريكي برمته, ولو حدث ذلك فسيتبعه كساد كبير أعظم هذه المرة من الكساد الأول الذي حدث 1929م وسوف يكون له اثر على كل دول العالم بما فيها السعودية والدول الإسلامية الأخرى. أما سبب ذلك فهو ناجم عن عدة عوامل في مقدمتها الارتفاع الكبير الذي حصل في أسعار النفط، والانهيارات التي حدثت في أسواق المال الأمريكية، وضعف القوة الشرائية للمستهلك الأمريكي، وانخفاض السيولة في اكبر اقتصاد عالمي التي حدثت من عمليات الإقراض وكشفت الغطاء عن هذه المشكلة الممتدة لأكثر من عقد. برأيك ما أبرز أسباب تراجع مبيعات قطاع السيارات الأميركي؟ - إن ابرز أسباب تراجع مبيعات السيارات هو سوء الإدارة بالدرجة الأولى إدارة الشركات الكبرى او ال «big three» كما يطلق عليها هنا في أمريكا وهي «جنرال موتورز» و»فورد» و»كرايسلر» بالترتيب وهي المعنية بحديثنا, فهناك تخبطات إدارية في إدارة هذه الشركات منذ عدة سنوات وهذه الشركات كانت تخسر مليارات الدولارات وتتراكم عليها المديونيات، وتتخلف عن التطور التقني الحاصل في صناعة السيارات العالمية، وتعيش في عقليات القرن الماضي من الرغبة غير المدروسة في التوسع والسيطرة. حتى أن إحداها وهي شركة جنرال موتورز قد قامت بشراء شركة مفلسة قد تبرأت الحكومة الايطالية منها وهي الشركة الايطالية المعروفة «فيات» وذلك في عام كانت فيه شركة «جنرال موتورز» قد خسرت ما يفوق عشرة مليارات دولار. ومن الأخطاء الإدارية والفساد الإداري في هذه الشركات إغلاق خطوط إنتاج ناجحة، أو إنتاج كميات اكبر من الطلب المحلي والعالمي وتكديسها في المستودعات، وحصول المدراء ومعاونيهم على ملايين الدولارات كحوافز ومكافآت برغم خسارتها لمليارات الدولارات وكذلك دخول هذه الشركات في تحالفات خارجية غير محسوبة جيدا أدت إلى تراكم المشاكل والمديونيات على هذه الشركات مما أوصلها إلى هذا العجز عن المسير إلا بطلب الدعم من الحكومة بعد أن سُدت بوجهها باقي الحلول. يضاف إلى أسباب التراجع في مبيعات هذا القطاع الارتفاع الهائل في أسعار النفط العالمية، التذبذب في سعر الدولار صعودا وهبوطا، ضعف الجودة في المنتجات الأمريكية مقارنة بالسيارات اليابانية والأوروبية، ارتفاع تكاليف الإنتاج لهذه الصناعة بشكل كبير جدا سواء في الأيدي العاملة أو في المواد الداخلة في العملية الإنتاجية، وكذلك انخفاض عمليات الاقراض التي يتم تمويل عمليات شراء السيارات عن طريقها في امريكا بشكل كبير. لكن عدة تقارير إخبارية أشارت إلى الأزمة قبل حدوث أزمة الرهن العقاري، لماذا لم تتحرك هذه الشركات بخطى اكبر لتلافي ذلك؟ - أشرت لك أن سوء الإدارة والفساد الإداري هما أهم سببين، ثم إن هذه الشركات ضخمة جدا مما يجعل أي عملية إصلاح لها توجب عدة عوامل داخلية وخارجية، حتى إن إحدى هذه الشركات عينت رئيسا تنفيذيا لها مديراً من احدى اكبر شركات الطيران الأمريكية الناجحة ولكنه استقال بعد فترة قصيرة بعد أن أدرك أن عملية إصلاحها مستحيلة في ظل هذه الظروف. كيف ضاعفت الأزمة المالية الحالية من أزمة قطاع صناعة السيارات؟ - إن الأزمة المالية التي حصلت في وول ستريت وفي أزمة الرهون العقارية وإفلاس اكبر البنوك الأمريكية والمشاكل الحقيقية التي تحدث هنا اليوم داخل أمريكا، أضف إليها ما نتج عن هذه الأزمة من تسريح لمليون عامل خلال سنة 2008م فقط، والارتفاع القياسي لمستوى التضخم نتيجة ارتفاع كافة السلع وعجز المواطن الأمريكي عن الوفاء بمتطلبات الحياة، وكذلك شح السيولة لتمويل عمليات الإقراض والخوف من المستقبل القريب كل هذه الأمور أدت مجتمعة إلى انخفاض حاد في عمليات الشراء والاتجاه إلى الاقتصاد في كل مناحي الحياة بما انعكس سلبا على صناعة السيارات التي تعيش ظروفا استثنائية بالغة الصعوبة هذه الأيام. ما مصير الصناعات المغذية لصناعة السيارات في حال انهارت هذه الصناعة؟ - هناك شركات توزيع وتامين وشحن وتصنيع مواد داخلة في عمليات الإنتاج ومصنعي قطع الغيار وممولين ووكلاء على مستوى العالم ومراكز صيانة، ما يعني ملايين العاملين ومليارات الدولارات المستثمرة فلو انهارت هذه الصناعة في الوقت الحاضر في ظل وجود الأزمات الأخرى القائمة ستكون في رأيي القشة التي ستقصم ظهر الاقتصاد الأمريكي والعالمي بالتالي بما سينعكس علينا في السعودية بشكل سلبي كبير. تأثير الأزمة على تكنولوجيا صناعة السيارات؟ - الزومان :العالم يتجه إلى السباق لإنتاج سيارات تعمل بشكل اقل من الطاقة، التي تسببت في وجود الاحتباس الحراري الذي يعاني منه كوكبنا، وكذلك إيجاد مصادر طاقة آمنة بديلة فأمريكا كانت تقود العالم في هذه التكنولوجيا إلى أن تخلفت. وهذه الأزمة ستؤخر بلا شك التقدم التكنولوجي الذي يتوقعه العالم والمرتبط بهذه الصناعة. خطط إعادة الهيكلة تهدف إلى اتاحة سيولة محدودة قيمة وزمنا، لكنها تزيد من جانب البطالة بشكل أكبر، ما تعليقك؟ - خطط إعادة الهيكلة تهدف إلى تغيير جذري داخل هذه الشركات يعيد الثقة للمستثمرين، وللممولين، وللعملاء، وللعاملين على حد سواء في هذه الشركات، وهذه الخطط تركز على تخفيض التكاليف، وزيادة المبيعات، والتركيز على الجودة والكفاءة التشغيلية، وتقليل المخاطر وتلافي الأخطاء . وهذا يتطلب تكاتف جميع هذه الجهات وتعاونها كما يحتاج إلى وقت وتمويل وتخلّص من الشوائب والأعباء كخطوط الإنتاج أو المنتجات أو العاملين المنعدمي الجدوى. والبطالة الحقيقة هي البطالة المقنعة الموجودة في هذه الشركات فعندما تتخلص هذه الشركات من أعباء ومرتبات تستطيع الإنتاج بدونها فهذا أفضل وهذه ظاهرة اقتصادية صحية سوف تحمي باقي العاملين من شبح البطالة فيما لو انهارت هذه الشركات. تمويل منخفض الفائدة وعروض ترويجية طرق انتهجتها شركات صناعة السيارات من أجل تصريف المخزون المتبقي من منتجات 2008 ما أثر لازمة على استيراد السيارات في الخليج؟ - من الطبيعي أن يتم الإعلان عن مثل هذه التخفيضات لان القادم أسوا بالنسبة لهذه الشركات ففي عام 2009 ستنكشف هذه الشركات على حقيقتها عندما يتم استيراد السيارات الأمريكية من أمريكا نفسها مباشرة بنصف سعر ما تبيع به هذه الوكالات. لماذا انخفضت الأسعار عالميا، واستقرت محلياً؟ - الشركات الخليجية بشكل عام والسعودية بشكل خاص لا تعترف بما يحصل في العالم إلا إذا كان في مصلحتها فأسعار السلع العالمية انخفضت وما زالت الأسعار ملتهبة لدينا في الخليج والمملكة خصوصا. ما صحة ما يشاع عن ضغط شركات السيارات العالمية على وكلائها لمساندتها وإنقاذها من خطر الإفلاس؟ - هذه مجرد إشاعات فوكلاء السيارات أنفسهم بدؤوا يعانون من خيبة توقعاتهم وانخفاض مبيعاتهم ثم إن هذه الشركات الأمريكية الكبرى تتحدث عن عشرات المليارات من الدولارات وجميع مبيعات السيارات الأمريكية في الخليج ربما لا تصل إلى عدة مئات من ملايين الدولارات والتي لا تسدد قيمتها إلا بعد بيعها من قبل الوكيل المحتكر فكيف تطلب المساعدة؟ ربما استبعد هذا الأمر. هل الانضمام لمنظمة التجارة العالمية سيؤثر على مكانة وكلاء الشركة الحصريين في المنطقة؟ - بطبيعة الحال إن ذلك سيؤثر, فاحد أهم شروط الانضمام للمنظمة هو فتح الأسواق أمام منتجات الدول الأخرى للمنافسة وإلا لما كانت السوق الأمريكية تعاني اليوم فقد تم منافستها في عقر دارها من قبل الشركات العالمية واليابانية بشكل خاص وهذا اكبر أسباب ضعفها في بلد الإنتاج، ففتح الأسواق وإلغاء الوكالات أو التقليل من شانها وأثرها الذي تتمتع به اليوم من أهم الأمور في اتفاقية منظمة التجارة العالمية هل ستتأثر أسعار سيارات معينة دون غيرها؟ - نعم إن أسعار السيارات اليوم في المملكة والخليج مبالغ فيها نتيجة احتكارها من قبل الوكلاء ولكن الضغوط المستقبلية على هذه السلع المعمرة والهامة سوف تجبر هؤلاء الوكلاء على الرضوخ للأمر الواقع وتخفيض الأسعار واعتقد أن السيارات الأمريكية سوف تنخفض بحدود 25 - 40 % عما هي عليه الآن كما هو حاصل اليوم في السوق الأمريكية. هناك تساؤل مستمر عن سبب غياب صناعة سيارات عربية، وهل تتوقعون قيام مثل هذه الصناعة في المستقبل. - لا أتوقع في الوقت القريب قيام مثل هذه الصناعة خصوصا في ظل سيطرة الجيل القديم على الثروة وعدم تشجيع الحكومات على ذلك واعتمادنا على منتجات أجنبية مقبولة الثمن. ما المعوقات التجارية لقيام صناعة سيارات في المنطقة؟ - إن أهم ما تتطلبه هذه الصناعة هو أولا وجود سوق ذات قوة شرائية عالية، ثانيا وجود رؤوس أموال كبيرة، ثالثا وجود أيدي عاملة ماهرة وذات تكلفة مجدية، رابعا وجود مواد خام، خامسا وجود تقنية عالية، سادسا وجود مستلزمات الإنتاج الثانوية الأخرى واغلبها وأهمها متوفر لدينا. فما الذي ينقصنا إذا؟ - إن ما ينقصنا هو الرغبة أو الإرادة والتصميم وللأسف إن أكثر ما يميز اغلب رجال الأعمال الخليجيين هو حب الثراء السريع والمحافظة على الثروة بأقل ما يمكن من درجات السيولة والحرص على أنفسهم فقط دون النظرة الإستراتيجية لأوطانهم إلا ما قل، فالصناعات الثقيلة دائما ما تتولى الحكومات في الوطن العربي الاستثمار فيها أولا ثم تبيعها فيما بعد أو جزء منها للقطاع الخاص. هل هناك فرص لإقامة مشاريع تصنيع سيارات في المدن الصناعية السعودية؟ - الزومان :نعم الفرص مواتية وبقوة ولكن الرغبة والإرادة والتصميم عائق مهم فهذه المدن لم تنشا إلا لذلك ما الميزات النسبية لعملية تصنيع السيارات في السوق السعودي؟ - هناك عدة ميزات فلو ابتدأنا مثلا بجلب المصانع العالمية ك»تويوتا» و»جي ام» و»نيسان» لتصنع ما نحتاجه من سيارات في السعودية ودول الخليج لاكتسبنا منها الخبرة، وأمنا على أي ظرف طارئ مع هذه الدول، ومع الأيام سيكون لنا مصانعنا الخاصة بنا وبمنتجاتنا التي سوف تتطور شيئا فشيئا فالصين وكوريا والبرازيل والمكسيك ابتدأت بهذه الطريقة. وارى أن الوقت قد حان لفرض مثل ذلك على اكبر الشركات التي نستورد منها.