يسحب الصيادون الغارقة ارجلهم في الوحل شباكهم الحاملة اسماكا صغيرة فضية اللون من بحيرة الرزازة التي يخشون تبخر مياهها مستقبلا. ولم يتبق سوى الاسماك الصغيرة في البحيرة، وهي خزان مائي ضخم يقع شمال غرب كربلاء كان مرتعا للعطلات الاسبوعية حتى مطلع تسعينيات القرن الماضي. ويقول نافع العلوي الذي يصطاد الاسماك بواسطة قاربه الخشبي في البحيرة منذ 25عاما "كان بامكانك في السابق شراء شقة بعد عام من العمل هنا". ويضيف "اما الان، فلم يعد بامكاني شراء ثياب لاولادي" مشيرا الى شابين يساعدانه في عمله ويرتديان اسمالا وقمصانا ممزقة. وقد انشأ مقاول اسباني العام 1969البحيرة كقناة لتصريف الفيضان السنوي لمياه نهر الفرات باتجاه الصحراء، بغية تجنب غرق بعض مناطق جنوب العراق. وكانت البحيرة لفترة عقدين ابرز مصدر لسمكة الكارب التي يفضلها العراقيون اذا رغبوا سمكا مشويا على طريقة المسقوف. كما كانت محطة للطيور المهاجرة بمختلف انواعها وبينها الفلامنكو الزهري والنوارس فضلا عن البط. لكن مساحة البحيرة بدأت تتقلص شيئا فشيئا بعد ان قرر النظام السابق تجفيف الاهوار اثر الانتفاضة الشيعية في الجنوب العام 1991.ويقول مهدي عبد اللطيف، المسؤول المحلي عن ادارة الموارد المائية "انا مهندس مائي وبامكاني القول بكل بساطة انهم قاموا بقطع المياه". ومنذ ذلك الحين، بدأت كميات المياه بالتناقص واصبحت نسبة الملوحة تزداد اكثر بسبب التبخر وخصوصا خلال فصل الصيف كما هاجرت الطيور والاسماك بمختلف انواعها. وبعد تجفيف الاهوار، اقدمت تركيا على تنفيذ مشروع اتاتورك الضخم في جنوب شرق البلاد على نهر الفرات بسدوده البالغ عددها 22سدا ما ادى الى وقف تدفق المياه التي شكلت فائضا في البحيرة. ويؤكد عبد اللطيف ان الرزازة فقدت ثلث مياهها حتى الان. واذا لم تصب المياه فيها مجددا، فانها ستختفي في غضون سنوات قليلة. من جهته، يقول عزام علواش الناشط في مجال البيئة ان "اخر فيضان للفرات كان العام 1997.وفي حال عدم اتخاذ قرار سياسي للابقاء على الرزازة، فستواجه البحيرة موتا طبيعيا". وسيحتاج اي قرار الى اقناع تركيا بدفق مزيد من المياه في الفرات ونظرا لمشاكل العراق المتعددة فان اعادة احياء الرزازة قد لا يشكل اولوية. ويضيف علواش ان "الغرض من انشاء الرزازة كان تشكيل حوض للسيطرة على فيضان الفرات وليس صيد الاسماك". في غضون ذلك، يواصل الصيادون عملهم بحيث يستطيع الواحد منهم صيد 50كلغ من سمك "الشنك" ليبيعها بحوالي خمسة دولارات فقط رغم صعوبة العمل فالاملاح تحرق جلد الانسان كما انها تلحق اضرارا بقواربهم الخشبية. ويقول الصياد حميد عباس ( 46عاما) صاحب اللحية النحاسية اللون "انه عمل شاق لكن هذا ما نفعله. بالامكان مواجهة الصقيع والقيظ والاملاح طالما نعمل لكي نعيش". وغالبا ما تنقل هذا الصياد بين بحيرة الحبانية التي تصب مياهها في الرزازة، كما عمل في بحيرة سد الثرثار الواقع الى الشمال. لكن الضفاف الشمالية لبحيرة الرزازة والثرثار تقع في مناطق العرب السنة. وقد افرزت احداث العام 2006الطائفية الصيادين من مختلف العشائر تبعا لانتماءاتهم المذهبية. ويؤكد باسم، شقيق نافع، انه كان يرمي شباكه في بحيرة الثرثار عندما تعرض مرقد الامامين العسكريين في سامراء المجاروة للتفجير في 22شباط/ فبراير. ويضيف ان "مجموعة من الصيادين السنة سلموني رسالة شخصية ممهورة بخاتم ابو مصعب الزرقاوي" في اشارة الى زعيم القاعدة الذي قضى في غارة اميركية في حزيران/ يونيو 2006.ويتابع ان "الرسالة امهلتني ثلاثة ايام للمغادرة". من جهته، يقول حسين علي ( 30عاما) "ارغب في وظيفة طبيعية لكن قوات الامن هي الوحيدة المتوفرة". اما حسن عبد البالغ عشرين عاما فيؤكد انه يقوم بعمله "منذ كنت طفلا في التاسعة (...) ولا اعرف القيام باي عمل اخر". (@ أ.ف.ب)