لم تكن تلكم الكائنات السابحة في الظلام الدامس، والتي تبدو وكأنها من مؤثرات الأفلام الفضائية من إنتاج هوليوود، سوى مخلوقات عجيبة الإبداع ذات ألوان زاهية وقوام شبه شفاف وأشكال متناثرة ما بين منقطة ومخططة.. تندرج هذه الكائنات ضمن الآلاف من الأصناف التي اكتشفها علماء الحياة البحرية مؤخراً في إطار خطة طموحة ترمي إلى رصد ومن ثم تسجيل وتسمية كل ما هب ودب من أحياء في البحار. ففي العام الفائت وحده، تمكن ذلك الفريق العلمي العالمي من التعرف لأول مرة على نحو من ألف نبات وحيوان، ومن تسليط الأضواء على سلوك المئات من الأصناف وأنواع الكائنات الحية، وذلك بموجب برنامج تعداد الحياة البحرية (أحياء البحار)، وهو عبارة عن مشروع جماعي ضخم يشارك فيه أكثر من ألفي عالم من (82) دولة. وقد تسنى رصد وتسجيل أكثر من (120) ألف صنف في هذا البرنامج الذي وصل حالياً إلى عامه الثامن.. ومع ذلك يعتقد العلماء أنه ربما يوجد ما يصل إلى (250) صنفاً. وتنطوي الاكتشافات على مخلوقات تعيش في أعماق المياه حيث تقيم أنواع "الهلام المشطي comb jelly" على عمق (23) ألف قدم تحت مستوى سطح الأرض في قناة رايوكو باليابان بينما توجد أنواع أخرى منه تحت الثلج في القطب الشمالي.. وعثر المستكشفون أيضاً على طبقات من المحار الضخم بطول ثماني بوصات في خليج بيسكاي بالإضافة إلى رخويات عملاقة يزيد طولها على (15) بوصة في ساحل لويزيانا. بالإضافة إلى ما تقدم، أفضى المشروع إلى إلقاء الضوء على أصل الاخطبوطات ومنشآتها واثبات ان اخطبوط البحار العميقة الذي يعيش في المحيطات قد نشأ وتطور عن مجموعة كانت تعيش في عميق المياه بالقرب من القطب الجنوبي في سحيق الآماد قبل ملايين السنين. ويقول جيسي أوسوبول مدير البرامج بمشروع تعداد الأحياء البحرية بمؤسسة سلون في نيويورك: "قبل ثماني سنوات، شرعت مجموعة منا في محاولة احصاء جميع الأسماك في البحار.. وقد ظن الناس يوماً أن بنا مس من جنون ولكننا بعد مضي ثمانية أعوام أصبحنا على قناعة بأننا سنصل حتماً إلى مرادنا.. وسوف ننجز أول تعداد شامل للأحياء البحرية". وبرغم الجهود الجبارة التي بذلت في السنين القليلة الماضية، يسود اعتقاد بأن ما يقدر بنسبة (95%) من المحيطات في العالم ظل بعيداً من أن تصل إليه يد الإنسان مستكشفاً ومرتاداً لأعماقه.