جاءت عقوبة التشهير في حق مرتكبي الجرائم واضحة في ديننا الحنيف، فليست كل جريمة لابد من تشهير صاحبها، لأن التشهير عقوبة نفسية ومعنوية للجاني، مع ما للتشهير من جدوى، فحين يرى أبناء المجتمع المجرم بصورته واسمه فإنهم سيأخذون العبرة والعظة منه، وسيطمئنون عن وضعهم الأمني، وكذلك حتى لا يقعوا فريسة لهذا المجرم. يقول المواطن حمود السلامة: إن التشهير بحق المجرمين له فوائد جمة، فحين ترى المجرم بصورته واسمه فإنك ستأخذ الحذر منه وسيكون التشهير به رادعا له ولأبناء جلدته، وأضاف المواطن محمد العنزي: ما نراه بوسائل الإعلام يبعث على الاطمئنان، لأن الجاني يعلم أن فعلته ستجني له الويل وسيُفضح أمره في مجتمعه، لذا أرى استمرار نشر أعمال الجناة ومصائبهم في مجتمعهم حتى يُقضى عليهم. ومع هذه المطالبات من المواطنين للتشهير بحق مرتكبي الجرائم، إلا أنَّ على وسائل الإعلام التنبه في نشر صور وأسماء الجناة المقبوض عليهم قبل صدور الحكم القضائي بالتشهير بهم. عقوبة تعزيرية الدكتور يوسف الخضير "عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية" يقول: إن عقوبة التشهير من العقوبات التي اتفق الفقهاء على عدها عقوبة تعزيرية، حيث يجوز للقاضي أن يوقعها إذا رأى لها مناسبة، دلَّ على ذلك أحاديث كثيرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - والتشهير عقوبة نفسية ومعنوية للجاني، والمقصود منه إعلام الناس بجرم الجاني وتحذيرهم من الاعتماد عليه أو الثقة فيه حتى يحذروا التعامل معه. وفيما مضى كانت عقوبة التشهير غالبا ما تفرض على شاهد الزور، بل إن بعض الفقهاء كأبي حنيفة - رحمه الله -جعل التشهير عقوبة أصلية وليست تكميلية، مما يدل على أن هذه العقوبة إنما تطبق في الغالب على شاهد الزور، إلا أن ذلك لا يعني انحصارها في هذه الجريمة، والسلطة القضائية هي التي تقدِّر فرض هذه العقوبة لكل جريمة رأى القاضي أنها للجاني أردع ولغيره أزجر، ومن المناسب أن تصدر الدولة مدونة للعقوبات التعزيرية وموجباتها لكي تكون مرجعا ملزما للقاضي عند الحكم بالعقوبة. ومما يجدر التنبيه إليه أن عقوبة التشهير لا يجوز أن تطبق إلا بعد صدور حكم من سلطة قضائية وبعد اكتساب الحكم الصفة القطعية التنفيذية، وقد أخذت أنظمة بلادنا بهذه العقوبة بالنسبة لجرائم الشيكات ونظام مكافحة الغش التجاري والأخطاء الطبية وغيرها. أما عن وسائل التشهير فإنها قد اختلفت باختلاف الأزمان، ففيما مضى كانت وسيلة التشهير بالجاني أن يطاف به بالأسواق والشوارع وينادى به وبجريمته، أما الآن فأصبحت وسائل الإعلام هي وسيلة عقوبة التشهير، لكن يلاحظ عند بعض الإعلاميين حينما يقوموا بنشر أخبار عن إلقاء الجهات الأمنية القبض على بعض المجرمين فإنهم يضمِّنون خبرهم بالكشف عن هوية الجاني وهذا لا يجوز، لأن الإعلامي لا يملك حكما قضائيا يتوكَّأ عليه بنشر هوية هذا الجاني مما يعرضه وصحيفته للملاحقة القضائية. التشهير بالمجرم كما تحدث ل(الرياض)الدكتور سعد العتيبي "عضو هيئة التدريس بالمعهد العالي للقضاء" قائلا: التشهير بالمجرم يختلف حكمه باختلاف أنواعه ومقاصده، فالتشهير بمرتكبي الجرائم في الشريعة من صفات تنفيذ بعض العقوبات لبعض الجرائم، كما في عقوبة الزنا، قال الله تعالى: (وليشهد عذابهما طائفة من المؤمنين )، وهذا يعني أنه يكون بعد ثبوت الجريمة وصدور الحكم على المجرم، لا في مرحلة الاتهام. وقد يكون وسيلة ضغط لاسترداد الحقوق كما في قصة الذي أخرج متاعه للطريق، أو نوعا من تأكيد أهمية بعض الحقوق التي قد يتساهل فيها بعض الناس، كحق الضيافة، ومن يراجع سبب نزول قول الله تعالى: (لا يحب الله الجهر بالسوء من القول إلا من ظُلم ) يجد ذلك واضحا. والممنوع منه ما كان تشهيرا بمن لا يُشرَّع التشهير به، كالتشهير ببريء، أو بغير بريء ممن يُشرَّع في حقه الستر عليه لا التشهير به. أما المفيد فما جاء به النص الشرعي، مثل: التشهير بالزاني عند تنفيذ العقوبة، وما كان من قبيل السلطة التقديرية للقاضي كالتشهير بالمزور، ومنه ما يكون تشهيرا من حق المظلوم كمن منع حقَّه من الضيافة، وهناك صور كثيرة للتشهير تكلم عنها الفقهاء في مسائل التعزير. وما تتطرق له وسائل الإعلام حول الحديث عن محاكمة المجرمين من غير ذكر أسمائهم أو تفصيل جرائمهم، أو كان الخبر عن تنفيذ العقوبات الشرعية؛ فهذا يبعث الأمن والاطمئنان، وينشر الوعي بالأحكام الشرعية، سواء كانت أحكاما مقدرة قضاء أو نظاما. أما إن كان التشهير بحثا عن الإثارة والسبق الإعلامي بذكر تفاصيل الجرائم وتضخيم الوقائع، وتعظيم شأن المجرمين بالحديث عن احترافهم الإجرامي ولو من غير قصد؛ فهذا يُعدّ جريمة في حدّ ذاته، فهو عمل مجرَّم شرعا ونظاما، لأنه يساهم في ترويج الجرائم، وتسهيل أمرها، ورفع شأن المجرم بإظهاره بطلا، مما يدفع الشباب إلى الإجرام، ولذلك فإن الجريمة المعلنة في الشريعة هي في الحقيقة جريمتان: جريمة الارتكاب للمحظور، وجريمة الإعلان. ثم إن التشهير أيضا يساهم في تشويه المجتمع المسلم، وإظهاره كما لو كان غابة وحوش، أو مجموعة عصابات تملأ الطرقات.