تسعى الجهات القضائية والتنفيذية في المملكة ، لتطبيق مشروع «العقوبات البديلة» وهو مشروع جديد يسعى لوضع أحكام بديلة عوضا عن الأحكام التقليدية ،وذلك لتحقيق الغاية من العقوبة، وتهدف هذه الجهات إلى عملية تهذب السلوك بعمل خدمي وتطوعي أو بغرامات مالية عوضاً عن عقوبة السجن ويقوم بتطبيق هذه العقوبات البديلة حاليا بعض القضاة في حين لا يلتفت إليها البعض الآخر»الشرق» كانت لها وقفة وتوجهت بأسئلتها إلى أهل الاختصاص من القانونيين، وأخذت آراءهم حول العقوبات البديلة، وتعريفاتها،والأسباب التي جعلت وزارة العدل تلجأ إلى العقوبات البديلة، والفوائد المتوقعة من تنفيذها.. في ثنايا الأسطر التالية . بدائل للسجن عرف المحامي والمستشار القانوني خالد بن سعيد الشهراني العقوبات البديلة بقوله «هي عقوبات بديلة عن عقوبة السجن والجلد في غير جرائم الحدود الشرعية، والتي تطبق على مرتكبي المخالفات لأول مرة، ومن المعروف أن عقوبتي السجن والجلد من العقوبات التعزيزية السالبة للحرية والخاضعة لسلطة القاضي التقديرية، إذ أن الهدف من الحكم بالسجن هو تأديب وزجر، ومنع السجين من القيام أو إعادة القيام بأفعال وأعمال مجرمة ،وحماية المجتمع من المجرمين وتطبيق العدل بما نصت عليه الشريعة الإسلامية السمحاء ، مع إمكانية تطبيق هذا النظام على الجرائم البسيطة ومرتكبيها من صغار السن والنساء، ومرتكبي الجرائم أول مرة من الكبار لما فيه من فوائد اجتماعية واقتصادية وأمنية». موضحًا بأن نشأة المستند النظامي للعقوبات البديلة انطلق من «تعميم أصدره وزير الداخلية لتشجيع الأخذ ببدائل عقوبة السجن، المالية والبدنية والاجتماعية، والتدابير المقيدة للحرية الواردة بوثيقة الرياض، وغيرها مما يمكن تطبيقه من بدائل، من قبل المحاكم وجهات القبض والتحقيق والادعاء العام لمرتكبي المخالفات لأول مرة».
أعمال خيرية وقسم عضو مجمع الفقه الإسلامي محمد النجيمي الأحكام والعقوبات إلى نوعين، أولهما وفقًا لما جاء في الكتاب والسنة قائلاً : «ما قرره الشارع كالقصاص والحدود السبعة المعروفة (حد الزنى، حد الحرابة، حد القذف، حد الخمر، حد السرقة، حد البغي، حد الردة)»، وثانيهما:» التعزير كما في حال المروجين»،مؤكدًا على أن الجلد والسجن والمصادرة والتوبيخ والتشهير والعزل، كلها تأتي كبدائل للتعزير، وأن هذه البدائل تأتي بديلا عن عقوبة السجن في قضايا معينة كالقضايا المالية». وأضاف النجيمي :»يعتبر تكليف المذنب بأعمال خيرية كحفظ القرآن أو تنظيف المسجد، أو إعطائه محفزات لفعل عمل صالح من بدائل السجن المعمول بها في السعودية»، منوهًا إلى أن المنهج الإسلامي في المذهب الشافعي كمثال يرى أن السجن يجب ألا يزيد عن سنة ويستثنى من ذلك الخطيرين.
تحقيق العدالة ويرى المحامي والمستشار القانون، المحكم المعتمد في وزارة العدل ريان عبدالرحمن المفتي، بأن المصدر في الأحكام والعقوبات هو القرآن والسنة، وما عدا ذلك مما في المذاهب الأربعة هو مجرد اجتهادات، وقال «عقوبة السجن تأتي لتكون إصلاحا وتهذيبا ولا يعقل أن تتشابه العقوبات فتحدد بسنة مثلا كما أن أحكام التعزير في الحدود هي أحكام الله وهي إصلاح أيضا باستثناء الجلد فهو لم يرد في الحدود»، مبينًا بأن دور السياسة الجنائية يأتي لتعيين العقوبات كحد أدنى أو كحد أعلى ،وذلك حتى لا تتفاوت العقوبات فيما بينها ويأتي هذا التعيين لصالح الجهات القضائية وذلك لتحقيق العدالة».
اجتهاد خير وبين أمام وخطيب جامع الملك فهد سابقا، خطيب الجمعة حاليا الشيخ محمد بن يعيش بالقول» المذاهب الأربعة تضم عددا من الاجتهادات كلها تغرف من إناء واحد وهو القرآن والسنة وإذا اجتهد مجتهد فاجتهاده لا يبتعد عن الشريعة ،وفي هذا الزمان إذا اجتهد الفقهاء في إصدار أحكام مخفضة كعقوبات بديلة عن السجن ،ففي هذا الاجتهاد خير، فقد لاحظنا على مستوى كبير أن بعض من يدخل السجن يخرج وقد أحاط بجرائم أخرى، وقد يفتح عليه بابا لدخول جرائم أكبر بسبب قلة الوازع الديني»، مشددًا على أن إصدار الأحكام البديلة عن السجن مثلا قد تجعل من المذنب إنسانا نافعا في مجتمعه ما يحفظ على هذا المجتمع أمنه وتكافله.
تصحيح وإصلاح و أكد المحامي و المحكم الدولي أحمد الودعاني، بأن هناك عقوبة بديلة لواقع قضائي اعتبره خاطئا، وهي ليست عقوبة بديلة لعقوبة أصيلة، مبينًا بالقول»لم يثبت في عصر صدر الإسلام أن الرسول عليه الصلاة والسلام أو الخلفاء من بعده ،حكموا أو حُكم في عصرهم بسجن أحد وكل الذي كان يحصل إنما هو إجراءات احترازية مؤقتة حصلت في عهد عمر (رضي الله عنه)، حيث اشترى دارا ليحبس فيها الشخص المتهم الذي يخشى هروبه حتى تثبت إدانته فيقام عليه الحد أو تثبت براءته فيطلق وكل هذه لم تكن تتجاوز أياما معدودة حتى يحضر من له صلة بالقضية». ويُفصل في الموضوع قائلاً» إن هذه ليست عقوبات وإنما هي وسائل واحترازات وقتية لا أقضية ولا أحكاما ولا عقوبات»، مؤكدًا أن ما يحصل يعد انتهاكا لحقوق الإنسان،ومعتبرًا أن العقوبات البديلة هي خطوة على طريق التصحيح والإصلاح الذي يقوده خادم الحرمين الشريفين، موضحًا «أن العقوبات البديلة لا تشمل هذا النوع الثابت بنصوص الشريعة ، وبهذا يطمئنوا ويزول عنهم اللبس الذي يثيره البعض حول تعطيل حدود الله الأمر الذي تطالب به منظمات حقوقية عالمية ، كما أن الأحكام البديلة لا علاقة لها بحقوق الخلق» ،مضيفا « أن أمر التعزير متروك لاجتهاد الحاكم أو من ينيبه وللحاكم أن يحدده أو يترك هذا لنوابه من القضاة ، وتحديد العقوبات التعزيرية أمر متعذر لأنها كما قال عمر بن عبدالعزيز رحمه الله «تحدث للناس أقضية بقدر ما أحدثوا من الفجور»، ولكن على الحاكم أن يضع إشارات وإرشادات ومعالم مستمدة من الشرع الحنيف لا يتجاوزها القاضي في أمور التعزير حتى لا يحصل الإجحاف ولا ينزل عنها القاضي حتى يقع التمييع»، مؤكدًا على ضرورة أن تكون العقوبة متناسبة مع الجرم معالجة له رادعة للجميع بحيث تأتي العقوبات البديلة رادعة ولها أثرها ووقعها على النفس حتى لو لم يكن على البدن حتى لا يتجرأ عليها الناس فتصبح بدون قيمة ولا تأثير». ويستطرد قائلا» إن العقوبات البديلة لها أصل وحكم بها كثير من قضاة المسلمين على مر العصور بهدف خدمة المجتمع واستصلاح المعاقب إذا كان في ذلك مصلحة للمجتمع والفرد وليس فيه هضم لحقوق الآخرين ولا تضييع لمصالحهم ، فإذا نفعت هذه العقوبة المخففة وساهمت في إصلاح المعاقب وإلا انتقل القاضي إلى عقوبة أقوى وأشد حتى يرتدع ، ولهذا ينبغي أن تكون العقوبة البديلة مطروحة على طاولة القاضي ضمن منظومة من العقوبات يصح للقاضي استخدامها إذا رأى في ذلك مصلحة ، مع ملاحظة أن هناك من لا يردعه رادع إلا العقوبات الكبيرة أو الحيلولة بينه وبين الجريمة فهذا ينبغي أن يجد العقوبة التي تردعه». واقترح الودعاني إيجاد وظائف تابعة لقضاة التنفيذ في محاكم التنفيذ تنحصر مسؤوليتها في متابعة تنفيذ مثل هذه الأحكام بالتعاون مع الحقوق المدنية والشرط والجهات المعنية بذلك».
أمر مجد وأوضح عضو مجلس الشورى بكر خشيم، بأن أهمية العقوبات البديلة في الأحكام القضائية يأتي لمصلحة الفرد وذلك من خلال محاولة الاستفادة قدر المستطاع من الحادثة لإصلاح مرتكبها ليكون بوضع وحياة أفضل ما يكفل عدم تحوله كفرد من المجتمع إلى إنسان حاقد على المجتمع»،مبينًا أن « استبدال عقوبة السجن في بعض القضايا بخدمات اجتماعية يقدمها مرتكب الحادثة أمر مجد ومجرب ولكنه بلا قاعدة حتى الآن فهو أمر متروك لتقدير القاضي» مؤكدًا بأن الأمر «بحاجة إلى قرارات وتفنيد من مجلس القضاء الأعلى ليصبح قانونًا».
مواطن إعمال الأحكام البديلة وتطبيقها الأحكام البديلة ودخولها في الإلزامات القضائية المعنوية والأدبية وأحكام التصالح في القصاص والجروح والجنايات. الأحكام البديلة بإعمال الضوابط في فقه الحدود في تحديد الأصلية والبديلة ودرء الحدود بالشبهات والتعازير من حيث تقدير العقوبة التعزيرية وضوابط تداخل العقوبات. الأحكام البديلة ودخولها في الانتقال التقديري القاضي إلى معالجة أسباب الخصومات والجرائم بإلزامات شبيهة بالإلزامات الحسبية في الإسلام. الأحكام البدلية ودخولها في السلطات التقديرية للقضاة في حد العقوبة الأعلى والأدنى والنزول عن الحد الأدنى لدواع معتبرة. الأحكام البديلة في الإلزام القضائي في رعاية مصلحة عدلية معتبرة بمسببات الجناية. الأحكام البديلة عندما يصدر فيها أنظمة تحول الجهات التنفيذية بالعفو واستبدال العقوبة الصادرة بحكم قضائي دون الرجوع للقضاء.
بعض توصيات ملتقى الاتجاهات الحديثة في العقوبات البديلة • ضرورة عدم التعرض للعقوبات المقررة شرعاً. على أن تكون العقوبات البديلة ضمن العقوبات التعزيرية. • تفعيل برامج تأهيل تدريب القضاة في تنفيذ العقوبات البديلة. • تعجيل العقوبات البديلة بتنفيذ نظامها • إقامة مزيد من الدراسات وذلك بالتنسيق مع الجامعات ومعاهد البحث العلمي في المملكة . • إقامة مؤتمر دولي يتناول موضوع العقوبات البديلة للاستفادة من التجارب السابقة على مستوى المنطقة العربية والعالم.