(أثار حكم بسجن ولدي متوفى كان مدينا بقرض لأحد المصارف المحلية جدلاً واسعاً بين الورثة خصوصا وأنهم ابدوا استعداداً لبيع منزل لسداد المتبقي من القرض.. وحكم القاضي خلال جلسة عامة بسجن ولدين من ورثة المتوفى الذي كان قد أخذ القرض من المصرف لبناء منزل لأسرته.. وطالب المصرف بتسديد قيمة القرض رافضا إعفاء الأسرة من المديونية بحجة وجود بيتين في تركة المدين.. ولم تمانع أسرة المتوفى في بيع أحد البيتين لسداد المبلغ ، لكن القاضي قرر سجن ولديه القاصرين 16- 14عاماً لمدة شهرين حتى سداد المديونية.. ويحاول وكيل الورثة حالياً عمل ما يلزم لإيقاف الحكم على الشقيقين القاصرين قبل التنفيذ وأكد استعداده بالكفالة الحضورية والغرامية إنقاذا لهما وحفاظا على بقية الورثة). شكّل هذا الحكم القضائي والذي أوردته عدد من الصحف الإلكترونية.. العديد من علامات التعجب تجاه حبس المدين الذي وإن كان طريقاً من طرق التنفيذ الجبري.. إلا أنه أيضاً عبارة عن وسيلة استثنائية.. تهدف للضغط على شخص المدين بحرمانه من حريته لمدة مؤقتة لحمله على تنفيذ التزاماته.. فإن التزم بأدائها أو كان له ما يفي بها.. أو استعد بجدولتها.. لم يجز للقاضي القفز إليها دون تراتبيتها القانونية الإلزامية..! جاء في المادة (230) الضابط الدقيق للحبس في حالة: (إذا امتنع المحكوم عليه من تنفيذ الحكم الصادر ضده لغير عذر الإعسار ولم يمكن التنفيذ على أمواله) وجاء ضمناً كذلك في الفقرة (8) من المادة (202) بأن (ما يتم بيعه من أموال المدين وأموال المحجوز لديه عند امتناعه عن الإيداع.. إلخ). ثم إن الفقه الإسلامي إنما أجاز حبس المدين الموسر المماطل.. لا إكراهه على الوفاء استناداً إلى قوله صلى الله عليه وسلم (مطل الغني ظلم).. أما غير ذلك فلا يجوز لقوله تعالى (نظرة إلى ميسرة) استناداً إلى أن الحبس يمس بدن المدين وكراهته.. وفي حبسه تعطيل لقوته البشرية دون فائدة.. ومن الأفضل أن يترك ليعمل ليجد ما يفي به دينه. هذا الحكم باعتقادي.. يجب أن يخضع لعدة اعتبارات.. قياساً على أنه لا زال في طور الطعن عليه أمام محكمة التمييز: @ على القضاة الخروج قليلاً عن عباءة فقه التكاليف العبادية.. فسن التكليف الشرعي والذي حدده الفقهاء ب 15عاماً.. ليس سن البلوغ في المعاملات المالية.. ولا أحد يقول بأن ابن الخامسة عشرة يستطيع البيع والشراء ونحو ذلك من التعاملات التجارية والتي لا يحيط بها إلا ابن الواحدة والعشرين.. فهل نرى قاضياً جريئاً يجتهد في هذا.. ويعلنها لنا كسابقة قضائية..! @ إجراءات الحبس وضحتّها بشكل دقيق المادة (230) من نظام المرافعات الشرعية (إذا امتنع المحكوم عليه من تنفيذ الحكم الصادر ضده لغير عذر الإعسار ولم يمكن التنفيذ على أمواله جاز للمحكوم له طلب توقيف المحكوم عليه بموجب عريضة يرفعها إلى الحاكم الإداري المختص ، وعلى الحاكم أن يأمر بوقف الممتنع لمدة لا تزيد عن عشرة أيام) فمن أين جاء الحكم بشهرين دفعة واحدة..! @ إجراءات الحبس يجب أن تعدّل وفق ترتيب دقيق جداً.. بحيث تبدأ بتقديم الطلب ليصل من ثم إلى قاضي التنفيذ.. الذي يقوم بدوره باستدعاء المدين والتحقق منه.. ومن المستندات المقدمة وفقاً للأصول القانونية ليصدر قراره من ثم بعد انتهاء مدة الإخطار المرسل إلى المدين من أجل الوفاء.. وعدم تقديمه التسوية التي من شأنها إما السداد.. وإما التقسيط.. على أن تكون التسوية بربع المبلغ المستحق مثلاً كحد أدنى مما يدل على جدية المدين ويقطع الطريق أمام تشفي الدائن. @ إن آلية حبس المدين بقدر ما تمثّل علاجاً ناجعاً لمشكلة بطء إجراءات التنفيذ وعدم فاعليتها.. وبقدر ما تشكّل وسيلة أثبتت نجاحها وفاعليتها في إيصال الحقوق لأربابها.. إلا أنها يجب أن تخضع لإجراءات سبقتنا إليها التشريعات المجاورة والتي لم تجاوز غيرها إليها إلا بشروط وضوابط ومحاذير دقيقة منها: عدم عرض المدين للتسوية.. وملك المحكوم عليه ما يكفي لسداد الدين المحكوم به.. أو تصرف المدين بأمواله بقصد التهرب من السداد.. أو ثبوت نية المحكوم عليه بالفرار. القانون.. هو الضابط الدقيق.. الذي يقطع الطريق.. أما اجتهاد.. يظن صاحبه أنه مصيب فيه..! @ الباحث في أنظمة العقار