في الوقت الذي اتفق فيه الأمريكيون على ضرورة تنفيذ خطة ما لإنقاذ النظام المالي والمصرفي من أزمته، انقسموا بشدة حول طبيعة ومدى هذه الخطة. وازداد الانقسام عندما أعلنت إدارة الرئيس الأمريكي جورج بوش عن خطة إنقاذ بتكلفة تصل إلى 700مليار دولار. وقال السناتور جيم بونينج عضو مجلس الشيوخ عن الحزب الجمهوري الذي ينتمي إليه بوش إن الخطة "اشتراكية مالية.. وغير أمريكية". أما وزير الخزانة الأمريكي هنري بولسون فقد قال إن هذه الخطة هي الطريقة الوحيدة لإنقاذ البلاد من انهيار اقتصادي. وسببت الخطة انقساما واضحا داخل الكونغرس المطلوب تصديقه عليها حتى يمكن تنفيذها لاعتمادها على أموال دافعي الضرائب. وتسعى الإدارة الأمريكية إلى تمرير الخطة في الكونغرس اليوم الجمعة على أقصى تقدير حتى لا تصاب حركة الائتمان بالشلل نتيجة توقف العديد من المؤسسات المالية والمصرفية عن تقديم أي قروض والاحتفاظ بما لديها من سيولة نقدية لمواجهة أي تداعيات مستقبلية. وتصر الإدارة الأمريكية على ضرورة الحفاظ على الخطة كما هي دون إدخال أي إضافات من جانب الكونغرس مثل فرض قيود على الأجور والمكافآت التي يحصل عليها كبار مديري الشركات المسجلة بالبورصة أو الملكية الحكومية الجزئية للشركات التي ستستفيد من خطة الإنقاذ رغم موافقة الإدارة على فرض شكل من أشكال الرقابة من جانب الكونغرس لتنفيذ الخطة. وتشكل تجربة الكونغرس بموافقته السريعة على خطة بوش لغزو العراق عام 2003وما تلاها من كوارث مادية وبشرية عقبة رئيسية أمام موافقة الكونغرس على خطة الإنقاذ المالي بسرعة كما تريد الإدارة الأمريكية بسبب الخوف من تكرار خطأ التصديق "الأعمى" على خطط الإدارة. وتساءل كريس دود رئيس لجنة البنوك في مجلس الشيوخ الأمريكي وعضو الحزب الديمقراطي عن الحكمة في إلقاء 700مليار دولار من أموال دافعي الضرائب إلى السوق دون حتى أن يكون هناك أي التزام من جانب الشركات. وأضاف: "بعد قراءتي لمشروع الخطة أستطيع القول إنه ليس اقتصادنا فحسب هو الذي يواجه الخطر وإنما دستورنا أيضا". وأشار إلى أن إجراءات حبس الرهن (استيلاء المقرض على العقار المرتهن وإعادة بيعه) تجبر 9800أسرة أمريكية على ترك منازلها يوميا واصفا الازمة بأنها "لحظة استثنائية وخطيرة في تاريخ أمتنا". وكان الرئيس الأمريكي جورج بوش قد قال في كلمة وجهها للشعب في وقت متأخر من مساء الأربعاء بالتوقيت المحلي ( 01.00صباح الخميس غرينتش) إن الولاياتالمتحدة ستواجه "ركودا طويلا ومؤلما" إذا لم يوافق الكونغرس على خطة إنقاذ القطاع المالي. وأضاف بوش في كلمة بثها التليفزيون على الهواء مباشرة من البيت الأبيض أنه "دون اتخاذ إجراء فوري من قبل الكونغرس فإن أمريكا ستنزلق إلى حالة ذعر اقتصادي.. لا يمكن أن نسمح بحدوث ذلك". وجاءت كلمة بوش وسط ضغوط متزايدة من جانب الكونغرس والناخبين الأمريكيين الذين طالبوا بإيضاح من الرئيس حول الأسباب التي تقود دافعي الضرائب إلى سداد هذه الفاتورة من أجل منع انهيار بورصة وول ستريت. وتعادل قيمة الخطة نحو ربع الميزانية الاتحادية الأمريكية، وتتطلب أن يرفع الكونغرس سقف الدين الاتحادي. وستستخدم هذه الأموال لشراء الأصول المتعثرة المرتبطة بقروض الرهن العقاري التي تعاني منها المؤسسات المالية الأمريكية على أساس أنها ستحرر عملية توفير الائتمان. في الوقت نفسه اعترف بن برنانكي رئيس مجلس الاحتياط الاتحادي (البنك المركزي) الأمريكي أمس بوجود "تهديد كبير" لاستقرار النظام المالي الأمريكي مؤكدا أهمية التدخل الحكومي غير المسبوق للحفاظ على هذا النظام. وأشار برنانكي في كلمة أمام أعضاء الكونغرس إلى الصورة القاتمة لنمو الاقتصاد الأمريكي في المستقبل مؤكدا أن حالة الغموض التي تحيط بأي توقعات بشأن النمو الاقتصادي تتجاوز المستويات الطبيعية. وقال رئيس مجلس الاحتياط الاتحادي أمام اجتماع اللجنة الاقتصادية المشتركة بالكونغرس الأمريكي إن المخاطر الكامنة التي تهدد الاقتصاد في المستقبل مازالت مصدر قلق كبير. وعرض برنانكي سريعا بعض النقاط التي أعلنها الثلاثاء أمام لجنة بمجلس الشيوخ تناقش خطة الحكومة الأمريكية لشراء ديون معدومة وأصول مشكوك في تحصيل قيمتها من البنوك والمؤسسات المالية الأمريكية بقيمة 700مليار دولار. وأوضح أن المساعدات الحكومية يجب أن تقدم وفقا لقواعد بالغة الصرامة وفي حالة تعرض استقرار النظام المالي وسلامة الاقتصاد ككل للخطر فحسب. وقال برنانكي إنه إذا لم يتم التدخل الآن لتحسين الظروف المالية فإن الاقتصاد الكلي للولايات المتحدة سوف يواجه خطرا حقيقيا. وأضاف: "أناشد الكونغرس التحرك بسرعة لمواجهة المخاطر الكبيرة التي تواجه استقرار النظام المالي حاليا". وتوقع برنانكي في كلمته استمرار معدل التضخم المرتفع وضعف سوق العمل وتدهور النشاط الاقتصادي. وكان الاقتصاد الأمريكي قد خسر منذ تشرين الثاني - نوفمبر الماضي نحو 770ألف وظيفة وارتفع معدل البطالة إلى 1ر6%. في الوقت نفسه وفي محاولة لاحتواء الانقسام الواضح بشأن الأزمة الاقتصادية، أصدر مرشحا الرئاسة الأمريكية الديمقراطي باراك أوباما والجمهوري جون ماكين بيانا مشتركا مساء أمس حول الأزمة المالية الحالية وخطة الإنقاذ المقترحة لأسواق المال. وقال المرشحان في البيان إن "الشعب الأمريكي يواجه لحظة أزمة اقتصادية.. ليس من المهم كيف بدأ هذا، علينا جميعا مسئولية العمل على حلها واستعادة الثقة في اقتصادنا، ففرص العمل والمدخرات ورفاهية الشعب الأمريكي كلها في خطر". وأضاف البيان: "الآن هو الوقت الذي يجب أن نجتمع معا، ديمقراطيون وجمهوريون، بروح التعاون من أجل الشعب الأمريكي.. الخطة التي طرحت على الكونغرس من قبل إدارة بوش يشوبها خلل ولكن جهد حماية الاقتصاد الأمريكي لا ينبغي أن يفشل". وقال المرشحان: "هذا هو الوقت الذي نسمو فيه على السياسة من أجل مصلحة البلاد.. لا نستطيع المخاطرة بوقوع كارثة اقتصادية، الآن هي فرصتنا من أجل الانضمام معاً كي نبرهن أن واشنطن قادرة على قيادة هذا البلد من جديد".