عالم الخلايا عالم ممتع ومذهل ومليء بالمفاجآت، هذا هو تصوري الشخصي عنه منذ أن رأيت صورة لخلية مكبرة تحت المجهر في سنوات دراستي الأولى وأنا مشغولة بهذه الخلايا، يأخذني البحث بعيدا عنها لكنه يعيدني لها مرة اخرى فهي أساس الجسم الحي. تحدثنا في المرة الماضية بشكل عام عن خلايا جسدنا عن اختلافها وتماثلها وكيف أنها تشكل حقلا ثريا للأبحاث والدراسة خاصة حين يصيبها المرض. معظم الإجابات على الأسئلة التي تشغلنا جاءت من خلال دراستنا لحالات مرضية، لأن الإجابة على الأسئلة في هذه الحالة لا تعد ترفا بقدر ما هو حاجة ملحة فانت تريد أن تعرف أسباب المرض ما الذي تعطل في هذه الخلية وجعلها لا تتصرف بطريقة طبيعية؟. مثلا ما الذي يجعل الخلية السرطانية لا تتوقف عن الانقسام رغم أنها معطوبة؟ لماذا تستطيع هذه الخلية أن تمر عبر كل انظمة الجسم الدقيقة بدون أن يكتشف الجسم أنها خلية معطوبة ويجب أن تتوقف عن الانقسام؟ هذه الأسئلة وأخرى غيرها، أغرت الباحثين بمحاولة البحث عن إجابة، لذلك كانت الدراسات المختلفة التي حاولت أن تكتشف أسرار هذه الخلايا الوراثية والبروتينية وحاولت أيضا أن تدرس طريقة تصرف هذه الخلايا و المكيانيكية التي تستخدمها للبقاء. هذه الدراسات وفرت إجابات كثيرة عن أنظمة الخلية الطبيعية عن وظائف بعض البروتينات وتصنيفها فمن خلال دراستك للجزء المريض أو المعطوب يمكنك أن تعرف الكثير عن ما يماثله في الجزء السليم. بمعنى أن نقص بروتين ما في خلية مريضة قد يؤدي إلى تغيير أو تعطيل مسار حيوي معين وبالتالي يمكنك معرفة وظيفة هذا البروتين وأهميته. دراسة الخلايا السرطانية ومحاولة فهم طبيعتها ساهمتا كثيرا في وضع فرضيات لتجارب علاجية مبدئية تختلف عن الطرق التقليدية، بعض هذه التجارب مازالت في بدايتها وقد يكون الطريق طويلاً لكن المهم أن نصل في النهاية. هذه الخلية الصغيرة التي لا ترى بالعين، تحمل سر الحياة، فيها ملايين المركبات الحيوية التي تجعلها تبقى سليمة، فيها كثير من المسارات الحيوية و الأيضية التي تساعدها على استخلاص الطاقة و توليد مركبات حيوية تحتاجها، تتبع نظاما متناهيا في الدقة كي تستمر في الحياة. كل واحدة منها تشكل عالما واسعا يملؤك بالدهشة والانبهار وينبهك لعظمة وقدرة الخالق عز وجل. كما قلت هي مبهرة ومليئة بالأسرار، لذلك لا بد أن نقترب منها أكثر ونحاول أن نفهمها كي نفهم تركيبتنا البشرية.