قالت البنت إنها في كل ليلة ترى نفس الحلم بنفس التفاصيل، ترى رجلاً يلبس قبعة يأتي إلى الأطفال في الحلم ويقتلهم فيجدونهم موتى في الصباح، وقالت إنه يترصدها لولا أنها تهرب منه، وعندما لم يصدقوها انتهزت حلم الليلة التالية وخطفت القبعة من فوق رأس من يطاردها في الحلم، وخرجت بها إلى اليقظة صائحة أمام الجمع: ها أنذا أحضرت لكم شيئاً من الحلم حتى تصدقوني.. هذه احد تخريجات السينما الأمريكية في واحدة من معالجاتها للأحلام، ربما مئات الأفلام، تصل كلها بالمعالجة إلى فنتازيا لا يقبلها العقل وإن استمتعت بها النفس، أحد البدائل عن الأساطير القديمة رشحها شغف الناس بمعرفة شيء جديد عن طبيعة الأحلام.. من الموضوعات التي طرحتها السينما أيضاً عن الأحلام، فكرة ترى أن بوسع الإنسان لحظة الحلم أن يلتقي إنساناً آخر - في مكان بعيد - يكون لحظتها بدوره مستغرقاً في حلم آخر، بل بوسعه أن ينتقل من حلمه الخاص إلى حلم الغريم وأن يشتبك معه في قتال فيلحق به الأذى ويعود أدراجه الى حلمه الخاص ليستيقظ بعد ذلك وهو ما زال على فراشه بعد أن يكون قد أدب خصماً على بعد ألف ميل، ومن هذه الفكرة أتت مجموعة بأحد الحالمين القادرين على الخروج والعودة إلى الحلم، وكلفوه بالتربص في حلمه لرئيس الولاياتالمتحدة، حتى إذا ما حلم الرئيس انتقل العميل من حلمه ليدخل حلم الرئيس، يقتله ويعود إلى حلمه ليستيقظ في فراشه الذي بدأ منه المهمة. أفكار مهووسة كثيرة قد يكون مردها الى توق دائم لدى الإنسان لمعرفة من أين تجيء الأحلام وفي أي مكان تختبئ، وهو توق لم يقتصر على عامة الناس وحدهم بل شغل علماء النفس والفلاسفة بكافة طوائفهم، وحتى هؤلاء قد تراوحت أطروحاتهم بين مادية التفسير وبين الفانتازيا والميتافيزيقا وشطحات إن دلت على شيء فإنما تدل على عجزهم عن الوصول إلى حقيقة يقينية مقنعة. وفي صباي الباكر استهوتني دراسة سيجموند فرويد الموسوعية "تفسير الأحلام" ومحاولته رد الأحلام إلى مؤثرات بعضها خارجي كالمواقف والأحداث وبعضها داخلي كازدحام المعدة بالطعام وقت النوم، وبهرني كلامه عن الشعور واللاشعور والذكريات واختزان التجارب وانفلاتها لحظة النوم في شكل الأحلام، ومنذ أيام قرأت كتاباً حديثاً لأحد علماء الاجتماع عن "لغة الأحلام" يرى فيه مؤلفه أن أي فرد يستطيع التعامل مع كل أفراد مجتمعه لأن بينه وبينهم اتفاقاً على رموز صوتية لها دلالات محددة هي اللغة ومفرداتها، ويرى أن بوسعنا جميعاً - كبشر - أن نتفق على رموز من تكوينات الأحلام محددة لها دلالاتها المحددة فيتحول الحلم من خصوصية فردية إلى ممارسة اجتماعية للناس جميعاً، وربما انتشرت هذه اللغة وأصبحت هي لغة البشرية جميعاً دون حاجة إلى تعلم لغات أجنبية وإلى مترجمين يخونون أمانة الترجمة.. هذا عالم ولكنه حالم مثل صناع السينما الأمريكية، ولا أتمنى أن تصيب دعوته أقل قدر من التوفيق، لأن روعة الدنيا وعظمتها أنها دائماً بها حلم مستحيل، لو تحقق لمات كل الشعراء، وغاب كل الفنانين، وكف الناس عن الابتكار، وتحول الإنسان إلى آلة قادرة على الدخول للأحلام والخروج منها بسرقة محل للمجوهرات أو أحد البنوك التي ذهب حارسها - في غفوته - إلى حلم آخر يرى فيه وجه محبوبته.. لو تحقق شيء من هذه الفانتازيا لتحولت ساحات الحلم إلى أن تكون حياة حقيقية، ولبذلنا كل جهدنا كي نحيل حياتنا الحقيقية المعاشة إلى حلم، كي نحرر من جديد طاقات الخيال. مع كل ذلك، تحسباً أن يصل الناس إلى امكانية التعامل بلغة الأحلام التي تجد مصداقيتها في الواقع، أريد أن أحجز من الآن مفردات معجمي، وهي قليلة: "نخوة - قوة - عربية" فحسب.