الرسوم... حل قصير الأجل    أمين الرياض يزور مشروع المسار الرياضي    الانتهاء من مشروع الدائري في القطيف    قيود أمريكية تفرض 5.5 مليارات دولار على NVIDIA    تدشين برنامج «سمع السعودية» لزراعة القوقعة للأطفال الفلسطينيين    "ليلةٌ دامية" في غزة ومفقودون لا يزالون تحت الأنقاض    قطاع الأعمال السعودي يدعم صندوق تمكين القدس    أرسنال يكرر فوزه على ريال مدريد حامل اللقب ويتأهل لقبل نهائي دوري أبطال أوروبا    كودو تعلن عن شراكة استراتيجية مع فريق «مهرة» السعودي المشارك في سباقات أكاديمية الفورمولا 1    "الملك سلمان للإغاثة" يواصل دعم المجتمعات المحتاجة    "التعليم" تستعرض 48 تجربة مميزة في مدارس الأحساء    توصيات لمواد وألوان عمارة واحات الأحساء    الرياض أكثر مناطق المملكة في شاشات السينما    ملتقى الثقافات    أمير نجران يطّلع على تقرير أداء الوكالات المساعدة وإدارات الإمارة    468% نموا في سجلات النزل السياحية    مؤسسة تطوير دارين وتاروت تعقد اجتماعها الثاني    الرياض تستضيف كأس الاتحاد السعودي للكرة الطائرة    إنترميلان يتخطى بايرن ويضرب موعداً مع برشلونة بنصف نهائي «أبطال أوروبا»    خمس جهات حكومية ترسم مستقبل الحج والعمرة    عفت السينمائي يكرم فائزي «من الحلم إلى الفيلم»..    «الثقافة» تطلق الخط الأول والخط السعودي    القبض على إثيوبي في الباحة لترويجه الحشيش والإمفيتامين    ما كل ممكن يسوغ    عملية قلب مفتوح لسبعيني في القصيم    قوات الدعم السريع تعلن حكومة موازية وسط مخاوف دولية من التقسيم    إغاثة سعودية تصل سوريا بطواقم طبية    اتفاقية سعودية - فرنسية في مجال التكنولوجيا الصحية    الأرصاد: هطول أمطار رعدية على معظم مناطق المملكة    أمين المدينة: تأهيل 100 موقع تاريخي بحلول 2030    انطلاق منتدى ومعرض للطاقة الشمسية والرياح بجامعة الإمام عبد الرحمن    الهلال الأحمر بالشرقية ينفذ فرضية لمشروع "معاذ" في جسر الملك فهد    المظالم ينجز46 ألف دعوى خلال 3 أشهر    السجن 5 سنوات لمواطن احتال على 41 ضحية    بدعم من مركز الملك سلمان للإغاثة.. 598 مستفيدًا من مركز الأطراف الصناعية في تعز    صندوق تمكين القدس يدعو إلى إغاثة الشعب الفلسطيني    ولي العهد يعزي رئيس وزراء ماليزيا في وفاة عبدالله بدوي رئيس الوزراء الماليزي الأسبق    29 اتفاقية و5 مليارات ريال استثمارات.. 1.1 مليار كجم إنتاج الدواجن في السعودية    في إياب ربع نهائي دوري أبطال أوروبا.. تحد كبير لآرسنال في معقل الريال.. وإنتر لتأكيد التأهل    في ختام الجولة 29 من " يلو".. نيوم للاقتراب من الصعود.. والحزم لاستعادة التوازن    حارس مانشستر يونايتد على رادار أندية روشن    محمد بن فهد.. موسوعة القيم النبيلة    عون يضع السلاح على طاولة الحوار وسلام على خط الإعمار .. لبنان يتحرك.. تثبيت السلم الأهلي وتحفيز العودة في الجنوب    خيوط المؤامرة منذ 2021 وضمت خلايا لتصنيع صواريخ ومسيرات.. الأردن يحبط مخططات متشعبة تهدد أمن البلاد    القيادة تعزي ملك ماليزيا    رُهاب الكُتب    الأول من نوعه في السعودية.. إطلاق إطار معايير سلامة المرضى    تغريم 13 صيدلية 426 ألف ريال لمخالفتها نظام "رصد"    توقيع اتفاقية تمويل "رسل السلام" بقيمة 50 مليون دولار    تعليم الباحة يطلق جائزة الشيخ الدرمحي للتميز التعليمي    "بينالي الفنون الإسلامية 2025" يواصل استقبال زوّاره في جدة    "القدية للاستثمار"شريك مؤسس لسباق جائزة السعودية الكبرى StC للفورمولا 1    سمو أمير منطقة الباحة يتسلّم تقرير أعمال الرئاسة العامة لهيئة الأمر بالمعروف    العالم على أعتاب حقبة جديدة في مكافحة «الجوائح»    فرع الإفتاء بجازان يختتم برنامج الإفتاء والشباب في الكلية الجامعية بفرسان    أمير نجران يعتمد الهيكل الإداري للإدارة العامة للإعلام والاتصال المؤسسي بالإمارة    الحقيقة التي لا نشاهدها    أمير تبوك يزور الشيخ محمد الشعلان وبن حرب والغريض في منازلهم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



السود الأمريكيون: من البيع إلى زعامة البيت الأبيض
نشر في الرياض يوم 04 - 03 - 2008

اتخذت الخطوة التالية لمعركة الملونين لنيل حقوقهم المدنية من ولاية (الباما) مكانا لها، بقيادة لوثر نفسه، الذي استغل قرار المحكمة بإلغاء التمييز العنصري في الحافلات العامة، ليطالب، وسط مسيرة ضخمة قادها بنفسه هناك، وشاركه فيها الكثير من البيض وآلاف من طلبة المدارس، بإنهاء كافة أشكال التمييز العنصري ضد الملونين، ليس في حافلات النقل العام فقط، بل في كافة المرافق العامة، كالفنادق والمطاعم وقطارات الركاب، إلا أن مسيرته وأتباعه لم تسلم من عنف الشرطة الأمريكية التي اعتقلت لوثر وأودعته السجن، ومع ذلك لم يثنه ذلك عن مواصلة النهج السلمي لثورته، لذا ألف، من داخل سجنه، كتابا أسماه (ثورة الزنوج)، أتبعه برسائل وجهها لشرائح مختلفة من المجتمع الأمريكي، من رجال دين ومحامين ونشطاء حقوق وغيرهم، يطالبهم فيها بمساعدته على هدم جدران الفصل العنصري داخل المجتمع الأمريكي.
لم تكد تمضي ثلاثة أشهر على اعتقاله حتى ألقت به الأقدار الإيجابية، بعد الإفراج عنه، واقفا أمام منصة الخطابة بمبنى (الكابيتول) بالعاصمة واشنطن، وأمام تمثال الرئيس لنكولن، في رمزية مؤثرة، يخطب في الجماهير المحتشدة، متخذا من العنوان الذي اختاره وهو: (لديَّ حلم) طابعا تراجيديا إيحائيا.حيث تساءل في ثنايا الخطبة/الحلم عن إن كان سيأتي يوم يعيش فيه أطفاله الأربعة في مجتمع أمريكي لا يقيم وزنا للطائفة أو العرق أو اللون أو المذهب، بقدرما يقيم ذلك الوزن لمنطق المواطنة فحسب؟.
ولأن المطالب السلمية تتدرج، حسب قدرة الفاعلين الاجتماعيين على استغلال الظرف التاريخي المناسب، فقد خطا لوثر ومناصروه خطوة متقدمة أخرى، بعد أن أحسوا بتوافق الظرف التاريخي، هذه الخطوة تعلقت بمطلب إقرار حق الانتخاب للسود. ولذلك فقد نظموا مظاهرة عام 1965طالبوا فيها بإقرار حق السود بالانتخاب، إلا أن الشرطة تصدت لهم بعنف، فاستجاب لوثر ومؤيدوه للأمر الواقع وتوقفوا.إلا أنهم عاودوا المسيرة مرة أخرى، فقدم لوثر التماساً للمحكمة الفيدرالية للسماح له ولمؤيديه بالتظاهر لدعم مطالب السود بالانتخاب، وهو ما سمحت به المحكمة أخيرا تحت ضغط (سلمية) المطلب، فقاد مسيرة فاقت الثلاثمائة ألف شخص إلى مدينة (مونتغمري)، وهي المدينة التي شهدت واقعة رفض السيدة (باركس) إخلاء مقعدها للرجل الأبيض في حافلة النقل العام، ليقطع المتظاهرون المسافة في ستة أيام اضطرت الرئيس الأمريكي آنذاك (ليندون جونسون) للموافقة على قرار يعطي كافة الملونين حق انتخاب الرئيس الأمريكي.
وإذا كان السيد باراك أوباما على أعتاب البيت الأبيض الآن، نتيجة لجهاد لوثر وأتباعه، فلا بد لنا أن نشير إلى أن مثل هذا الجهاد ليس في حقيقته إلا ثمرة من ثمرات التدريب الطويل على ضبط النفس وانتظار نضوج الثمرة الآجلة بدلاً من السراب العاجل. إن لهذا النوع من الجهاد تأثيرا سلبيا على نفسية الخصم نفسه، ناهيك عن تأثيره على الآخرين الذين يتابعون الكرّ والفر بين الخصمين. فمن يطالب بحقه سلميا ولا يرد على خصمه بعنف مماثل، لا يمكن إلا أن يضع خصمه أمام تأنيب حاد من ضميره، من منطلق أنه يضرب خصما متجردا من كل ما يمت للعنف بصلة، وغاية ما يرد به عليه مزيد من ضبط النفس مع الاعتداد بشرعية المطالب. ولهذا النهج السلمي الناجع أصل من التجارب الناجحة للأنبياء والصالحين والمجددين على مرالأيام وتعاقب الأزمان. بل إن أول نزاع في التاريخ انتهى بانتصار النهج السلمي على نهج العنف. نجد ذلك في قصة ابنيء آدم التي فصَّلتها سورة المائدة. فعندما همَّ أحد ابنيء آدم بقتل أخيه قال له الأخ الآخر (لئن بسطت إليَّ يدك لتقتلني، ما أنا بباسط يدي إليك لأقتلك إني أخاف الله رب العالمين)، وزيادة في الحصار النفسي على القاتل، يعود الأخ المقتول ليؤكد لأخيه قبيل قتله بقوله (إني أريد أن تبوء بإثمي وإثمك فتكون من أصحاب النار وذلك جزاء الظالمين). وهو إيحاء له مدلوله الكبير، فإذا كان كل من المتقاتلين سيبوء بإثمه وحده في حال اختار كل منهما مواجهة الآخر، فإن القاتل في الحالة الثانية سيتحمل، بالإضافة إلى وزر القتل وزر المقتول عندما يحمله الله بسيئاته في الآخرة. لكن الخصومة بين ابنيء آدم انتهت بمضي الأخ صاحب نظرية العنف في سبيل تنفيذ مشروعه بقول الله تعالى عنه (فطوَّعت له نفسه قتل أخيه فقتله فأصبح من الظالمين). وهنا نلمح إشارة موحية من التأثير النفسي الرهيب على نفسية الخصم صاحب النهج العنيف، فالله تعالى يشير إلى أن نفس القاتل الشريرة هي من سهلت له القتل (فطوعت له نفسه) ومن ثم فلم يكن قتله إياه نتيجة لدفاعه عن نفسه أمام عنف خصمه. إذ لو كان كذلك، لكان من الطبيعي اعتبار قتله أخاه بمثابة دفاع عن نفسه. ومن ثم فلن يكون واقعاً تحت تأنيب ضميره. لأنه سيجد المعاذير - على الأقل من الناحية النفسية - بقوله لنفسه: بأنه لو لم يقتل أخاه فإنه كان سيقتله حتما. ولذلك، فقد أشار القرآن الكريم في نهاية هذه الآية إلى أن القاتل (أصبح من الظالمين) نتيجة قتله من لم يحاول الدفاع عن نفسه. مما جعله يقع تحت ضغط نفسي مدمر، أشار إليه القرآن في الآية التالية بقوله تعالى (فبعث الله غراباً يبحث في الأرض ليريه كيف يواري سوءة أخيه، فقال يا ويلتا أعجزت أن أكون مثل هذا الغراب فأواري سوءة أخي فأصبح من النادمين). ولهذا تعقب القرآن هذه القصة الموحية بقول الله تعالى في الآية التي تليها (من أجل ذلك كتبنا على بني إسرائيل أنه من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا). وهي اليوم مناسبة لدعوة الفلسطينيين والعراقيين والباكستانيين وكل البائسين من حولنا، الذين يعتمرون البندقية ويلتحفون الأحزمة الناسفة، إلى انتهاج هذا النهج السلمي إن هم أرادوا انفراجاً حقيقياً لليلهم الطويل.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.