كنت أتحدث مع صديق كريم في احدى المناسبات، فتشعب بنا الحديث حتى استقر على محور أثير لديّ هو: "القيم العظيمة في ديننا الحنيف": - ما أعظمها وأجملها وأروعها! - هل نعرفها أم نجهلها؟ - هل هي حاضرة في وعي من يعرفونها، ظاهرة في سلوكهم؟ وقد حدثني أنه قد علّق على الجدار لوحة كتبت بخط عريض جميل فيها: أحب الناس والأعمال إلى الله "روى ابن أبي الدنيا في (قضاء الحوائج)، والطبراني في (الأوسط)، وابن عساكر في (تاريخ دمشق) عن عبدالله بن عمر بن الخطاب - رضي الله عنهما - قال: جاء رجل الى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، أي الناس أحب إلى الله تعالى، وأي الأعمال أحب الى الله عز وجل، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: @ أحب الناس الى الله تعالى أنفعهم للناس. @ وأحب الأعمال الى الله تعالى سرور تدخله على مسلم، تكشف عنه كربة أو تقضي عنه ديناً أو تطرد عنه جوعاً. @ ولأن أمشي في حاجة أخ لي أحب إليّ من أن أعتكف في هذا المسجد شهراً. @ ومن كف غضبه ستر الله عورته. @ ومن كظم غيظه - ولو شاء أن يمضيه أمضاه - ملأ الله قلبه رجاء يوم القيامة. @ ومن مشى في حاجة أخيه حتى يثبتها له، ثبت الله قدميه يوم تزل الأقدام. @ وإن سوء الخلق يفسد العمل كما يفسد الخلّ العسل". @@@ وقد ذكر لي أن عدداً من الأصدقاء المشتركين بيننا ما إن اطلعوا على تلك اللوحة حتى طلبوا نسخة منها لتذكرهم بالمعاني العظيمة التي جاءت فيها. وأرجو أن يسمح لي القراء الكرام أن أضيف إلى هذا الحديث الشريف أحاديث أخرى تؤيد هذه المعاني، وأدعوهم ونفسي الى تأملها، واستيعابها والسعي الى التخلق بها، ممهداً بذلك لمقالة هذا الأسبوع: 1- روى الإمام مسلم رحمه الله في صحيحه قوله عليه الصلاة والسلام: " من نفّس عن مؤمن كربة من كرب الدنيا نفس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة، ومن يسّر على معسر يسّر الله عليه في الدنيا والآخرة، ومن ستر مسلماً ستره الله في الدنيا والآخرة، والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه..". 2- وعند الترمذي: "... المسلم أخو المسلم: لا يخذله، ولا يكذبه، ولا يظلمه، وإن أحدكم مرآة أخيه، فإن رأى به أذى فليُمطه عنه".. "والمؤمن أخو المؤمن يكفّ عليه ضيعته، ويحوطه من ورائه". ويكف على أخيه ضيعته: أي: يمنع عنه ما يؤذيه ويضيعه. ويحوطه من ورائه: يحفظه في غيبته، ويدافع عنه. وهذا ما يشرحه الحديث الآتي: 3- وعند أبي داود ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "ما من مسلم يخذل امرءاً مسلماً في موضع تُنتهك فيه حرمته، ويُنتقص فيه من عرضه، إلا خذله الله في موطن يحب فيه نصرته، وما من امرئ ينصر مسلماً في موضع يُنتقص فيه من عرضه، وينتهك فيه من حرمته إلا نصره الله في موطن يحب فيه نصرته". @@@ هدفي من هذه المقالة أن يطرح كل واحد منا على نفسه هذا السؤال: كيف نرقى بمجتمعنا إلى المثالية مستفيدين من القيم الرائعة الموجودة في ديننا العظيم؟ لماذا بدأت تظهر في مجتمعنا أخطاء ما كانت موجودة من قبل؟ لماذا بدأت الصلات بيننا تضعف، والتعاون يفتر؟ لماذا يستبد ببعضنا الحسد؟ لماذا يتجهم بعضنا ودينه يجعل له من تبسمه في وجه أخيه صدقه يؤجر عليها في الآخرة ويقطف ثمرتها في الدنيا؟ أنا لا أطالب الناس جميعاً أن يكونوا فوق مستوى البشر، ويتبرؤوا من الأخطاء والعيوب والهفوات، لكنني أطالب نفسي أولاً وأطالبهم أن نكون جميعاً أقرب الى مثلنا العليا، وتعاليم ديننا الحنيف لنكون أول السعداء بذلك القرب والامتثال. @@@ إن من أكثر الأشياء إسعاداً لقلبي أن يعينني الله سبحانه على قضاء حوائج الناس، والتفريج عنهم، وإدخال السرور إلى نفوسهم وأسعى - بحمد الله - جاهداً لخدمتهم بشرط ألا أهضم حقاً أو تكون هذه المساعدة على حساب شخص آخر، أو مخلة بقاعدة متفق عليها، أو نظام حكومي معمول به. وأنا اعتذر من طائفتين من الناس: الأولى: الذين أتوسط لديهم وأرجوهم مساعدة من أرى أنه يستحق المساعدة، فأثقل عليهم أحياناً، ولكن عزائي في هذا - رغم الحرج الذي أجده - قوله عليه الصلاة والسلام في الحديث الصحيح: "اشفعوا تؤجروا"، وأن بعض من أشفع لديهم من المسؤولين ليس لديهم متسع من الوقت ليصلوا إلى حاجات الناس، ولو وصلوا إليها لقضوها. والطائفة الثانية: الذين لا أتمكن من مساعدتهم رغم حرصي عليها، وعزائي أني بذلت الجهد و(لا يكلف الله نفساً إلا وسعها). وبالمناسبة فإن من الظواهر الاجتماعية السيئة انتشار (مبدأ الواسطة) عند كثيرين منا، حتى إنك لتجد الشخص يطلب التوسط من أجل الحصول على شيء لو طلبه دون (واسطة) لناله، ولعل هذه الظاهرة تختفي عندنا مع الوعي المتزايد بين الناس، ومع التقدم الحضاري في بلادنا، والذي نلمس آثاره في كل مرافق الحياة، بفضل الله تعالى. @@@ هذا الدين العظيم الذي أنعم الله علينا بأن هدانا لأن نكون من أتباعه يلقي على كل واحد منا مسؤولية كبيرة تتمثل في سلوك يتوافق مع مبادئه العظيمة. ولم أجد - من خلال بحثي عن سبل التأثير - وسيلة أنجع من السلوك الذي يتبعه اقتداء، ولن تجدي المواعظ من أشخاص لا يتبعون القول بالعمل، ولو أن المسلمين في سلوكهم ومعاملاتهم تمثلوا مبادئ الإسلام وقيمه لأصبحوا في وقتنا الحاضر سادة العالم كما كانوا في السابق من الأزمان. إني لأتذكر مواقف إنسانية كثيرة أدخل فيها لقضاء حوائج المحتاجين تدخل الفرحة والسرور على قلوبهم. ما أجملها من لحظات يشعر فيها الإنسان بدوره في إسعاد الآخرين، وهي - إلى جانب ذلك - حسنة تضاف إلى حسناته. @@@ وهنا أتوجه الى من يتولون الوظائف الحكومية ذات العلاقة بالجمهور، وأدعوهم للتحمل والصبر والهشاشة والبشاشة في وجوه الناس الذين يقصدونهم لمتابعة شؤونهم، وليعلم الجميع أن صاحب الحاجة لا يرى أكثر أهمية منها، فليعمل كل موظف على بذل ما يستطيع لتسهيل مهمة من يراجعه، وإذا كانت "الحكمة ضالة المؤمن أنى وجدها فهو أحق الناس بها"، فإنني معجب بما يبادر به الموظفون في بعض البلاد الأخرى حين يراجعهم صاحب الحاجة، إذ يقول الموظف بعد التحية: "هل لي أن أقدم لك مساعدة"، ولنقارن بين ذلك وبين المقولة المشهورة: "راجعنا غداً أو بعد غد أو الأسبوع القادم"!!، وفي كثير من الأحيان بوجه متجهم!! @@@ وفقنا الله جميعاً الى الخير والصواب والأخذ بأسباب القوة مهما غلا ثمنها، اللهم اجعل صدورنا سليمة معافاة، وأمدنا يا ربنا بتأييد من عندك وتسديد.