أكد عميد كلية الآداب واستاذ جغرافية السكان بجامعة الملك سعود د. رشود بن محمد الخريف أن انخفاض معدل النمو السكاني في المملكة في احصائيات التعداد الأخيرة يعود إلى انخفاض معدلات الانجاب وكذلك انخفاض معدلات زيادة السكان المقيمين. وأوضح أن انخفاض عدد السكان غير السعوديين يعود إلى الجهود الكبيرة التي تبذلها الجهات المسؤولة في سبيل سعودة كثير من الوظائف. وقال إن عدد المساكن ارتفع خلال التعداد السكاني الأخير ووصل إلى (400) ألف مسكن بزيادة قدرها (43٪) عن بيانات عدد المساكن في عام 1413ه.. وفيما يلي نص الحوار: ٭ كيف ترون نتائج تعداد 1425ه التي نشرت مؤخراً؟ - بداية، تلقيت نبأ إعلان النتائج الأولية بسرور كبير كأحد المتخصصين والمهتمين بالقضايا السكانية، خاصة أنها جاءت في وقت وجيز بعد انتهاء عملية تنفيذ التعداد التي بدأت في غرة شهر شعبان، أي خلال أقل من شهرين. وهذا يدل على الجهود الكبيرة التي بذلتها مصلحة الاحصاءات العامة، كنت أتمنى أنها اشتملت على تفاصيل أكثر مما نشر. ولكن المصلحة صرحت بأنها ستعلن بيانات المناطق خلال الأيام القليلة القادمة. وستوفر النتائج التفصيلية - بإذن الله - بيانات دقيقة ومهمة يمكن استخدامها في التخطيط على كافة المستويات سواء كان الوطني أو الاقليمي أو المحلي، بالإضافة إلى ما لها من أهمية في الدراسات وإعداد الاستراتيجيات الوطنية للفقر والإسكان وغيرها. والكثير من المستخدمين سواء في القطاع الخاص أو الحكومي أو الباحثين في الجامعات ينتظرون إعلان النتائج التفصيلية بشوق. ٭ في ضوء اهتماماتكم التخصصية، هل هناك مؤشرات يمكن استخلاصها من النتائج التي أعلنتها مصلحة الاحصاءات العامة؟ - نعم، على الرغم من البيانات القليلة التي نشرت إلا أنه يمكن حساب العديد من المؤشرات والمعدلات الديموغرافية مثل معدل النمو السكاني، ونسب النوع وغيرها. وأود استعراض بعض الدلالات والمؤشرات فيما يلي: أولاً: مقارنة بالتوقعات والاسقاطات السكانية التي تنشرها بعض المنظمات الدولية بين الحين والآخر، فقد جاء العدد الاجمالي أقل مما كان متوقعاً، إذ كان من المتوقع أن يصل العدد الاجمالي 24 مليوناً تقريباً. وهذا يدل على أن معدلات النمو السكاني شهدت انخفاضاً خلال العقد الماضي. ثانياً: شهد معدل النمو السكاني خلال الفترة (1413 - 1425ه) انخفاضاً ملحوظاً مقارنة بما كان عليه خلال الفترات الماضية. فقد انخفض معدل النمو السنوي لاجمالي السكان من 4,9٪ خلال الفترة (1394 - 1413ه) إلى 2,4٪ خلال الفترة (1413 - 1425ه)، كما انخفض معدل نمو السكان السعوديين من 3,79٪ خلال الفترة (1394- 1413ه) إلى 2,5٪ خلال الفترة (1413 - 1425ه)، وهذا التغير أثر على العدد الاجمالي للسكان في المملكة الذي كشفت عنه نتائج التعداد، وعلى الرغم من هذا الانخفاض في معدل النمو عما كان عليه في العقود الماضية، إلا أنه لا يزال يعد مرتفعاً عند مقارنته بالمعدلات السائدة في معظم الدول، فمعدل النمو على المستوى العالمي يصل إلى 1,3٪ سنوياً، وينخفض إلى الصفر في كثير من الدول الأوروبية، بمعدل عام على مستوى الدول المتقدمة لا يتجاوز (0,2٪)، ويرتفع في بعض الدول النامية إلى 3٪، ولكن المعدل العام على مستوى الدول النامية يصل إلى (2,4٪). وتصل معدلات النمو - على سبيل المثال - إلى أكثر من 3٪ في بعض الدول الافريقية على وجه الخصوص، مثل الصومال، وشاد، وأوغندا، في حين يصل معدل النمو في مصر إلى 2٪، وينخفض إلى أقل من ذلك، أي 1,7٪ في كل من الجزائر وليبيا والمغرب، وإلى 1٪ في تونس والولايات المتحدةالأمريكية. كما ينخفض في بعض دول الخليج إلى أقل من 2٪، خاصة قطر والإمارات العربية المتحدة. ومن المهم الإشارة إلى معدل النمو حسب بيانات التعداد شهد انخفاضاً عما كان متوقعاً، وهذه من أبرز ملامح النتائج التي أعلنت، إذ أن التقديرات التي تنشرها بعض المنظمات الدولية تضعه فيما بين (2,8 - 2,9). ومن الأهمية الإشارة إلى بيانات التعداد تشير إلى معدل النمو السنوي خلال الفترة الماضية (12 سنة تقريباً)، وليس خلال هذه السنة. وبناء عليه، فمن المتوقع أن يكون أقل من ذلك في الوقت الحاضر، وأن ينخفض المعدل إلى أكثر من ذلك خلال السنوات القليلة الماضية. ثالثاً: تشير البيانات التي نشرت أيضاً إلى أنه على الرغم من انخفاض معدل نمو عدد السكان غير السعوديين إلا أن نسبتهم إلى اجمالي السكان لم تتغير كثيراً، فقد كان السكان المقيمون يمثلون (27,3٪) حسب تعداد عام 1413ه، فأصبحت (27,1٪) حسب بيانات تعداد 1425ه، وكان من المتوقع أن تنخفض هذه النسبة، خاصة مع الجهود الكبيرة التي تبذلها الجهات المسؤولة في سبيل سعودة كثير من الوظائف، ولا يمكن قول المزيد في هذا المجال، إلا بعد الاطلاع على البيانات التفصيلية عن أنواع المهن والأعمال التي يقومون بها. رابعاً: على الرغم من الزيادة في أعداد الذكور والإناث، لم يتغير توزيع السكان حسب النوع (ذكور - إناث) تغييراً كبيراً، فعلى مستوى اجمالي السكان، انخفضت نسبة النوع من 127 ذكراً مقابل 100 أنثى في عام 1413ه إلى 124 ذكراً مقابل مائة انثى في عام 1425ه، وبهذا يتجه المجتمع نحو التوازن ولكن بتغير ضئيل. أما بالنسبة لنسبة النوع للسكان غير السعوديين، فقد انخفضت نسبة النوع من حوالي 238 ذكراً مقابل مئة انثى، إلى 228 ذكراً إلى مئة انثى، وأصبحت نسبة الذكور بينهم (69,5٪) بدلاً من (70,3٪) في عام 1413ه، أما السكان السعوديون، فقد حدث تغير طفيف في اتجاه التناسب بين الذكور والاناث، فقد انخفضت نسبة النوع من حوالي 102 ذكر لكل مائة انثى في عام 1413ه إلى 100,5 ذكر مقابل مائة انثى، وهذا التغير يعد صغيراً، فقد انخفضت نسبة الذكور من (50,5) في عام 1413ه إلى (50,1) في هذا العام، وتجدر الإشارة إلى أن الزيادة البسيطة في أعداد الذكور ليس مستغرباً بل متوقعاً. ويعد معقولاً، خاصة إذا عرفنا أن نسب النوع في أمريكا - على سبيل المثال - تنخفض لصالح الإناث إلى 97 ذكراً مقابلة مائة انثى، وترتفع النسبة في الصين لتصل إلى 106 وكذلك في باكستان إلى 106، وفي افغانستان إلى 107 ذكور مقابل مائة انثى. ٭ لماذا انخفض معدل النمو السكاني؟ وماذا يعني هذا الانخفاض؟ وهل انخفض إلى مستوى مناسب؟ - أولاً: يعود انخفاض معدل النمو السكاني إلى عدة أسباب، يأتي في مقدمتها انخفاض معدلات الانجاب للمرأة السعودية. فقد كانت المرأة السعودية تنجب سبعة أطفال في المتوسط قبل عقدين من الزمن، ولكن هذا العدد انخفض إلى أقل من خمسة أطفال خلال العقد الماضي، والسبب الثاني هو انخفاض معدلات زيادة السكان المقيمين. ولا شك أن التنمية الاجتماعية والاقتصادية أثرت - بشكل مباشر أو غير مباشر - على معدلات نمو السكان، مما أدى إلى انخفاض المعدل - كما رأينا - إلى 2,5٪. وهذا في حد ذاته انجاز كبير سيسهم في تخفيف الضغط على الخدمات، وأهم من ذلك سيخفف الضغط على سوق العمل من خلال انخفاض الأعداد التي تدخله سنوياً، ولكن على المدى الطويل، وعلى الرغم من هذا الانخفاض، إلا أنه لا يزال مرتفعاً مقارنة بالدول الأخرى، مما يدعو إلى النظر في امكانية كبح جماحه، وخفض مستوياته. وفي كل الأحوال، أتوقع أن يواصل معدل النمو السكاني انخفاضه - تدريجياً - في المستقبل ليحقق طموحات التنمية في بلادنا وذلك بتأثير التنمية التي تشهدها بلادنا، والسياسات الاجتماعية والاقتصادية التي تؤثر عليه بشكل غير مباشر، حتى دون تدخل مباشر، ولكن ذلك يستغرق بعض الوقت، وأود التأكيد أنه على الرغم من اطمئناني من الاتجاه العام لمعدل النمو، إلا أن هناك حاجة للتأثير عليه وخفض مستواه تدريجياً في المستقبل، وتجدر الإشارة إلى أن هناك العديد من السياسات والآليات المباشرة وغير المباشرة التي يمكن اتخاذها للتأثير عليه. وأود التأكيد على أن النتائج المختصرة التي نشرت حتى الآن لا تكفي لتفسير دلالات الأعداد السكانية، وقراءة أبعادها، والتوصل إلى توقعات دقيقة لتأثيرها على التنمية، وأود التأكيد أن الأعداد الاجمالية للسكان لوحدها لا تعني الكثير، ما لم نعرف توزيعهم الجغرافي، وخصائصهم الاقتصادية والاجتماعية والديموغرافية. ٭ ماذا يمكن أن يقال بالنسبة لأعداد المساكن التي نشرت ضمن النتائج الأولية لتعداد 1425ه؟ - بالنسبة للمساكن، يلاحظ أن أعدادها ازدادت من 2788413 مسكناً في عام 1413ه إلى 3990559 مسكناً حسب بيانات تعداد 1425ه، أي بزيادة قدرها 43٪ خلال 12 سنة الماضية. وبناء عليه تصل الزيادة السنوية إلى 100 ألف مسكن سنوياً. أما بالنسبة لعدد الأشخاص بالنسبة لعدد المساكن، فشهد انخفاضاً طفيفاً من 6,1 أشخاص للمسكن، إلى 5,7 أشخاص لكل مسكن. وقد تشير هذه الأرقام إلى أن الطلب الكبير على المساكن سيستمر لفترة قادمة. ولكن أود التأكيد بأن الأرقام المجملة على مستوى المملكة تخفي كثيراً من التفاصيل المهمة. لذا لا ينبغي التركيز عليها أكثر مما ينبغي قبل إعلان النتائج التفصيلية. فلا نعرف التفاوت من منطقة إلى أخرى. فقد تكون النسبة مرتفعة في مناطق ومنخفضة في أخرى، وكذلك لا نعرف عدد المساكن الشاغرة. كما أننا لا نعرف عدد الأفراد الذين يقطنون في المساكن العامة. ومع هذا كله، فإن الحاجة ماسة إلى صياغة سياسة وطنية للإسكان تأخذ في الاعتبار جميع المتغيرات والتباين المكاني، لتحقق مزيداً من الرفاه للمجتمع السعودي. وتجدر الإشارة إلى أن بيانات التعداد تلعب دوراً مهماً في تقويم الوضع العام للاسكان وتحديد المناطق التي يقلل فيها العرض ويزداد الطلب، وتلك التي يزداد بها العرض من الوحدات السكنية. وبناء على بيانات التعداد يمكن التنبؤ بمستقبل الطلب على الإسكان ومن خلال بيانات التعداد وما يدعمها من مسوحات عن الخصائص السكنية والسكانية يمكن وضع سياسة وطنية شاملة أو برامج للإسكان لتسهم في تحقيق التنمية الشاملة في البلاد. وهذه في الواقع إحدى الفوائد العظيمة لاجراء التعدادات السكانية.