بين أم المؤمنين عائشة بنت أبي بكر الصديق رضي الله عنها، وهي المرجع في فهم آيات الأحكام، وعائشة بنت عبدالرحمن؛ بنت الشاطئ التي قدمت تفسيرا بلاغيا رائدا، أثبتت المرأة المسلمة مكانتها العالية في علوم التفسير، وما فعلته فاطمة الفهرية مؤسِسَةُ أول جامعة في العالم «جامع القرويين»؛ لا تقتصر مساهمتها على بناء مؤسسة علمية، بل أشرفت على حلقات تفسير القرآن، فانتشرت علوم التفسير بين الرجال والنساء. والحديث عن الأسباب الثقافية والاجتماعية لغياب المرأة عن المشهد التفسيري للقرآن الكريم بعيد المرامي، وأثر هذا الغياب في فهم النصوص المتعلقة بالمرأة، وظلاله في تلقي النصوص القرآنية وتفسيرها، وحضور المرأة وقضاياها في الساحة التفسيرية التقليدية، يلزم قبل حديثنا عن التفسير فلنعلم أن علم التفسير استوى على سوقه متأخرا بعد حدود المئتي سنة؛ فانعدام المفسرات ذلك الوقت لانعدام العلم نفسه، فالعلم لم يتشكل إلا بعد قرون عن عهد النبي صلوات الله عليه، وأعني علما مستقلا وإلا هناك ما ورد أن سعيد بن جبير الذي قتله الحجاج كتب لعبدالملك بن مروان صحيفة فيها بعض التفاسير. ولو تأملنا تراجم النساء يشتغلن بالفقه والحديث رغم أن النص القرآني دليل من أدلة الفقه فربما يأخذون الدليل كحكم أكثر منه تفسير، وباستقراء تراجم المحدثات، وفي تصفحي السريع لسير أعلام النبلاء للذهبي ذكر الفقيهات والمحدثات من الصحابيات والتابعيات مثل أم الدرداء الصغرى وعائشة بنت طلحة وحفصة بنت سيرين وسكينة بنت الحسين، ونلحظ فيهن العالمات والمسندات والمحدثات والفقيهات، ولا نلحظ المفسرات. مما يدل على أن التفسير علم لم يصل إليه قلة من الناس، فحتى في سير الذهبي ذا نجد أوصافا للرجال كالعالم والمحدث والفقيه، ولم يقل «المفسر»، فالزلة في التفسير غير مأمونة، وكسرها غير مجبور. وعن حضور المرأة في تفسير القرآن الكريم، وحجم هذا الحضور، وهل هو مستقل أم مرتبط بالرجل في صورته العليا، فلو أن امرأة تناولت آية امرأة عمران، وآية الخطاب الذي وجه لابنتها مريم، فلربما تقول هذه المفسرة: «يا أخت هارون ما كان أبوك امرأ سوء وما كانت أمك بغيا» مريم-28 كثيرا ما ينتخي الرجال بأسماء أخواتهم، وأشهر نخوة «أخو نورة» للملك عبد العزيز رحمه الله، وهذا اعتزاز عظيم القدر لمكانة الأخت. ولفتني خطابهم لمريم عليها السلام بانتخاء معكوس باسم أخيها هارون، كأن في ذكر اسم أخيها الإيماء للشرف والعزة التي تربط بين الأخ وأخته، وقد لا تحضر في حال ذكر الأب الموصول بالحب والرحمة غالبا، وقد تكون علة ذكر اسم أم مريم منسوبة إلى زوجها في قوله عز وجل: «إذ قالت امرأة عمران إني نذرت لك ما في بطني محررا فتقبل مني إنك أنت السميع العليم» آل عمران-35، بجانب ما قاله المفسرون من أن المقام مقام حمل وولادة، فمما أراه كذلك أن في نسبة الخطاب لامرأة عمران، له اتصال بمستقبل ابنتها هذه، والتي ستكون أما، وإن لم تكن امرأة لأحد. وهل ما يقال من نصح النساء بقراءة القرآن والوعظ وترك العلم الذي تتعلق بهمته الرجال مثل أصول التفسير وأصول الفقه وعلم الكلام؟ بل من الجور أن هناك كتابا اسمه: «الإصابة في منع النساء من الكتابة» الشيخ نعمان الألوسي! واليوم ليس منحى حديثي عن استحقاق النساء دخول مسار التفسير، أو من يقول فلتفسر أمور النساء، لا بل الحديث معتمد على النظرية المنتجة: هل فسرت المرأة القرآن على أرض الواقع؟ كلنا من أمة اقرأ، ولكن نسبة قليلة من النساء قديما استطاعت أن تقرأ أو أن تحصل بعض العلوم! والمتصفح لكتب التاريخ يجد إشارات دالة على أن من النساء من استطاعت كسب سلطة معرفية وأن تترقى أن تكون فقيهة، ولكن هذا التاريخ نفسه عرفنا بابن سينا ولم يعرفنا بفاطمة الفهرية، وعرفنا على الخُوارزمي ولم يعرفنا بمريم الاسطرلابية وعرفنا بابن حجر ولم يعرفنا بأنس زوجة ابن حجر، ولو وجدت المرأة المفسرة فهي «وعاء ناقل للمعرفة « لا منتجة! النساء كثرن في رواية الحديث وقل عددهن في مواطن تفسير القرآن، لأن الحديث يعتمد على الحفظ والرواية أكثر من التفسير المحتاج إلى كد ذهن، وقد لا تفرغ المرأة من واجباتها الملتزمة إن طوعا وإن كرها وغالب أمورهن كانت على القهر والجبر، يقول الربيع ما رأيت الشافعي آكلا بنهار ولا نائما بليل لاشتغاله بالتصنيف! التفسير متصل بقوة نور النفس، وهطول سحب العلم النفسي والنظر بالعين النورية، والنساء المفسرات في التاريخ الإسلامي لهن دور عال في تفسير القرآن الكريم، برزت مجموعة فيه من النسوة، هل هن فقيهات، أم مفسرات بالمأثور، أم مفسرات بالرأي؟ أولاهن أمي عائشة بنت أبي بكر الصديق من أبرز العالمات وتعد مرجعا للصحابة يسألونها تفسير الآيات والأحكام، تقول أمي عائشة إنها كانت صبية صغيرة تلعب تسمع نزول: «بل الساعة موعدهم والساعة أدهى وأمر» القمر- 6، وتقول ما نزلت سورة البقرة والنساء إلا وأنا عنده ، وغالب تفسير أم المؤمنين خلال المواقف التفسيرية من سؤال النبي صلى الله عليه وسلم، أو استدراكاتها للصحابة والتابعين فيما أخطؤوا فيه أو بعض ما يروى عنها من قول أو سلوك اتصفت به، وكان الطابع الفقهي هو الطابع على تفسيرها، واعتمادها في التفسير هنا على أمور خمسة: السنة وأسباب النزول والحس اللغوي والأدبي والاجتهاد الشخصي، والحق أن غالب تفسيرها هو بالسنة وهذا يندرج تحت التفسير بالمأثور واللغة، وأمي أم سلمة هند بنت أمية رضي الله عنها كانت من الراسخات في العلم ولها إسهامات في تفسير الآيات المتعلقة بالنساء والأسرة. صفية بنت شيبة رضي الله عنها، صحابية جليلة قرشية توفيت سنة 90، قالت عن الآية: «وفديناه بذبح عظيم» رأيت قرني الكبش معلقا بالبيت فمشاهدة صفية بنت كبشة رضي الله عنها لقرني الكبش معلقة في الكعبة، فهذا يسمى في أصول التفسير: تفسير القرآن بأحوال العرب، ونسيبة بنت الحارث: تكنى بأم عطية الأنصارية من كبار الصحابيات وغزت مع الرسول صلى الله عليه وسلم ومن الروايات التفسيرية الواردة عنها: «ويمنعون الماعون» الماعون هو ما يتعاطاه الناس بينهم، وحفصة بنت سيرين: من سيدة التابعيات توفيت سنة 100ه، وكان ابن سيرين إذا أشكل عليه شيء قال: اذهبوا فاسألوا حفصة كيف تقرأ؟ وفي عصرنا الحالي جاءت عائشة بنت عبدالرحمن لتحل مكانة عالية في المفسرات المحدثات ركزت على فهم النص القرآني مع الاهتمام بالجوانب البلاغية، درسّت في جامع القرويين وكان تفسيرها معتمدا على الفهم اللغوي الدقيق والبراعة في النقل لما يناسب، ود. سعاد إبراهيم صالح، أستاذة الفقه والتفسير، تقدم تفسير القرآن بطريقة تبسطها للمجتمع العام، وشغلت كرسي رئاسة قسم الفقه المقارن بجامعة الأزهر العتيدة، لقبت بمفتية النساء وفقيهة المرأة، ومن أشهر فتاواها منع الرجل من السفر بدون إذن زوجته، إذ قد تحتاجه في غيابه ويعد مقصرا في الأمانة. والتفسير قلة من يتمه كاملا حتى عند الرجال فمنهم بلا تكملة كالجلاليين وتفسير ابن تيمية، وتفسير الشيخ ابن عثيمين، والتفسير ينوء بكاهله الرجال فما بالك بالمرأة المقيدة، ومن قبل تفسير القرآن غابت المرأة عن الشعر إلا بأعداد قليلة، والتزم غالبهن بالرثاء أو الفخر، لم يكن الغزل مما اشتهر عن النساء فمن غير اللائق إظهار المرأة لمشاعرها في الحب، وقد يفهم أنه خروج عن الحياء، وتعمق في البرحاء. للغياب أثر في تشكيل تفسير المرأة للنصوص، فآيات النساء فسرها الرجال، في قوله عز وجل: «فاضربوهن» النساء-34 ماذا لو كان تأويل اللفظ على السبيل التي يسير فيها قولنا: ضرب صفحا عن الأمر، أي ابتعد والابتعاد، لا سيما أنها جاءت في إثر «واهجروهن في المضاجع» لا عن المضاجع، وفي قول الذات العلية: «وجعل بينكم مودة ورحمة إن في ذلك لآيات» هل يكون الحب مطلبا النساء، أم أن المرأة تريد الأمن والمودة والسكنى والألفة التي تصلح القلوب، لا سيما وأن الحب في القرآن، قد أدخله السجن في قوله تعالى: «قد شغفها حبا» يوسف-30» وفي شرح لما يقع في قلب الصديقة مريم عليها السلام في قوله عز وجل: «واذكر في الكتاب مريم إذ انتبذت من أهلها مكانا شرقيا»، فكيف تنظر المرأة لخوف وهلع قلب امرأة مثلها، تتساءل هل المشي باتجاه الشرق يشرح صدر المرء، وهل توجه المحزون شرقا مما يخفف ثقل قلبه؟ وإذا ما كانت كل أم تضع نصب عينيها الدعاء لأبنائها؛ فمن أجمل الأدعية للأبناء: تكفل الله بك؛ لما كفلها زكريا صارت مريم صدّيقة. ومما يتصل بفهم المرأة للمرونة التي جبلت عليها هل تقرأ قوله عز وجل: »وجاء السحرة فرعون قالوا إن لنا لأجرا إن كنا نحن الغالبين»الشعراء-41 في هذا بيان أن للمرء أن يفاوض في زيادة أجره قبل أن يبدأ المهمات، ومحلها قبل الشروع في الأمر أولى من التفاوض بعد التمام، وكيف تفسر النساء ما قاله تبارك: «ولا يضربن بأرجلهن ليعلم ما يخفين من زينتهن»النور-31 فهل هذا نوع من الخطاب غير الملفوظ، وسيلته الأقدام؟ هل سيأتي نساء من رحم الغيب يفسرن القرآن؟ فالتفسير من عطاء الله وعطاء الله لا ينفد وآخره لا يدرك وغايته لا تُملك، ارتباط التفسير بالتدبر، والتدبر لا يمكن فيما لو اجتمع عشرة علماء لآية واحدة لخرج كل امرئ منهم بتدبر مغاير لصاحبه، وإن كان لا يحاط بتفسير كلام الله وللناظر فيه متسع وللمتأمل مستمتع، فقد خرجت بعض الجهود في التفسير لم تعرف من قبل كالتدبير والهَدَايات والبلاغات المجدية والدلالات المفيدة. د. عائشة عبدالرحمن