لنحول الألف والراء لاماً، فتكون الكلمة هزلاً، وهي المفردة التي اهتم عالم الاجتماع والإنثروبولوجي رادكليف براون بدراستها من خلال تحليل العلاقات في بعض المجتمعات، ولنجد أن هناك تناولاً دقيقاً طرحه براون نلحظه في الحياة من حولنا، فالمزاح أو الهزار حسب المصطلح المصري الذي وجدته في قاموس المعاني يحمل نفس المعنى يحدث بين الزوجين والجد والحفيد والخال وابن أخته وبين الأصدقاء وبين أبناء الجيل الواحد وهكذا. المزاح ثقافة وخلق لا ينفصل أي منهما عن الآخر، فعندما يكون المزاح بين شخصين لا يمكن لأحدهما أن يجاري الآخر في مزاحه إما لمكانة اجتماعية أو وظيفية فلا بد للأخلاق أن تكون حاضرة وألا ينحدر المزاح إلى استهزاء، فالمزاح محمود والاستهزاء جرح لا يلتئم. العلاقات الاجتماعية لها معايير منضبطة إذا خرجت عن حدودها اختلفت مسميات الأشياء، وطبيعة تلقينا لها، ولو لاحظنا فإن نظرية التلقي في جوهرها نظرية اجتماعية أخذت من الأدب أداة قياس لوقع النتاج الأدبي على المتلقي، وبالتالي فإن المزاح ينطبق عليه ما ينطبق على الأدب من طبيعة تلقيه والتفاعل معه. والحديث عن المزاح يأخذنا إلى حالة نأمل ألا تصبح ظاهرة، وهي حالة انتشار المقالب وبثها على شكل مقاطع قصيرة، وإن كان بعضها فيه من الظرافة ما يُحمد لأنه هزار لا تطاول ولا تعدي فيه، ولكن منها ما يتعدى حدود المزاح ليصبح حالة من التهريج المقيت الذي يعكس حالة من التعدي على الآخرين، وإن كان بعضها يتم بالاتفاق، ولكنه يشكل سلوكاً فيه درجة من الخطورة والإضحاك اللافت مما قد يسبب تسربه إلى عقلية بعض صغار السن فيقلدونه دون وعي بخطورة هذا المقلب فيقع ما لا يحمد عقباه. الحديث عن المزاح والمقالب يرتبط بدراسة نوع من أنواع الفعل الاجتماعي، والذي يدخل في اهتمامات علم الاجتماع مثله مثل الطرفة -النكتة- على ما بينهما من اختلاف، فالطرفة أدب، والمزاح أو المقلب قد يكونان أدباً، وقد يكونان عكس ذلك! وعندما نمزح أو «نُمقلب» يجب علينا ألا نذهب بهذا الفعل أبعد من حدوده المعقولة حتى لا تتحول الابتسامة إضحاكاً للبعض على حساب آخرين ومشاعرهم، وحتى لا يتحول التصرف نموذجاً يعلق في خيال طفل بريء فيطبق ما رآه فتقع الكارثة، وهكذا هي الأفعال الاجتماعية لها معانٍ ودلالات ومآلات، ولها حدودها التي نحتاج أن نستوعبها ونعي ماذا يعني تجاوزها.