الأمثال الشعبية تتقارب ألفاظها أحيانًا ولكن تتباعد معانيها، أو العكس، فهي دقيقة جدًا في كل تراكيبها، اختارها من قبلنا لتختصر عليهم الكثير من الوصف والتشبيه والبيان وكثر القول والكلام، وربما كان المثل الشعبي حافظًا لماء الوجه وجابرًا لخاطر القائل والمتلقي عندما يضرب لموقف معين، بعكس ما لو كان قولاً مباشراً فيه جرح أو صد وصدمة وجفاء وجفاف. وهذا معروف للمهتمين باللغة واللهجة وما يتناوله الناس في اختصار المعلومة أثناء التواصل. فقد نقول في الأمثال: ما في رقبتي حبل، بمعنى لست تحت أمرك ولا طاعتك ولا تملي علي شروطًا، وقد نقول: بطني مهوب جراب لأحد، ويعني أن ما سمعته منك ومن خيرك لن أحتفظ به أو أقوله وفق طلبك وفي الوقت الذي تأمرني فيه، بل سأتجاهله ولن أبقيه في ذاكرتي. أو سأقول الحقائق التي تشرفني لا ما يعيبني، ومن خشي على شيء فليحتفظ به هو، لا أن يسلمه لغيره ويفرض عليه وصاية. ومن الأمثال التي تضرب للاعتزاز بالنفس: «من له قرش فيأخذ ريالاً» ويعني أنه لا منة لأحد عليه، فلا جمايل لأحد عليه ولا معروف. ومن الأمثال الشعبية التي نحن بصدد إيضاحها: «بطني مهوب جراب لأحد» فالمعنى واضح، فالجراب كيس صغير ينقله المسافر خاصة، يضع فيه شيئًا من الزاد كالتمر ويكون مربوطًا بحبل، يتزود منه، ومن طبيعة الجراب حفظ ما فيه ولا يأخذ منه إلا من وضع الشيء فيه. وقد شبهت المعلومات والأخبار صحيحها وخاطئها وثمينها ورخيصها بما يوضع في الجراب، وشبه البطن والمقصود ذاكرة الشخص وما وعاه من الآخرين بالجراب، وهذا التركيب كاملاً يعد مثلاً شعبياً، بحيث يرفض الشخص أن يكون جراباً تحفظ فيه معلومات وأخبار الآخرين التي لا قيمة لها ولا فائدة منها، أو أنها لا تصلح لأن يتناولها كل أحد، فلا يبدها إلا بعد سماحهم له بذلك. وهذا بالطبع يختلف كلياً عن مجال حفظ السر وقوة السد التي لها تعامل آخر، كما يختلف عن المعلومات الإيجابية التي تقال لتنشر، ويخبر بها لتذاع وتشرف ناقلها وقائلها فالمثل لا يضرب لها.. يقول الشاعر لاحق العضياني: انا لي رفيق يلتهب كنه المشهاب سريع الندب والضايعات يتخطفها وانا للهروج العوج «بطني ما هو بجراب» ونفسي عزيزة والردى ما يشرفها ليا شفتها عوجاء ولا جالها مضراب تجنبتها والخبل جود طوارفها تحكمت في عقلي ودورت لي مجناب وخليتها لملقف الخلق تلقفها وهنا خصص الشاعر رفضه بقوله: «للهروج العوج» ويعني كل ما كان نقله وتناقله لا يشرف ولا يحرص عليه العقلاء، أما ما يشرف قائله وناقله فلا علاقة للمثل به. لاحق العضياني