فيما سبق من اجزاء عن المثل الشعبي كان القول حول استخدامه وما قد يتعرض له من خطأ في الفهم من قبل المتلقي، نتيجة غرابة المثل، وأنه من بيئة مختلفة زمانا ويضاف له أحيانا غربة المكان. وفي هذه الحلقة نتبين تصنيفات المثل الشعبي، التي تكون تصنيفات ضمنية طبعاً، وكما نقول: لكل مقام مقال فإنه لكل مناسبة أمثالها الملائمة ولكل مجال من المجالات التي يتصف بها الناس ما يخصه من تلك الأمثال ومن هذا التصنيف: فالأمثال تضرب بحسب حال المتكلم أو حال المخاطب، كأن نقول في عدم المبالاة بالنتائج «شبها في الشيح وقبلها الريح» ويضرب مثلا لشخص بدأ في عمل ثم ترك غيره يقوم به ويتعب فيه. وهناك أمثال تضرب في مجال الحرص وعدم التفريط «مسكة الأعمى شاته» و«تمرة وفي يد بزر». وفي مجال الحسد «يحسدون الأعمى على كبر عيونه» «يحسدون الفقير على ميتة الجمعة» «غبطتني حماتي على قصري وطول عباتي» وقصر القامة ليس مجال حسد. وفي مجال الحظ والنصيب «إما درّة أو شاذوب» وهذا ما يحصل للغواصين في الخليج، إما وجدوا لؤلؤة أو هاجمهم سمك القرش وشذب أرجلهم. وفي مجال الاعتراض والتظلم وطلب الحقوق «الحلال حلال أبونا والقوم طردونا» وفي مجال الأنانية والطمع «كلن يحوش الضو لقريصه» و«طرار ويتشرط» وفي مجال العجز وتفاقم الأمور «الشق أوسع من الرقعة». وفي مجال القناعة وانتظار الأحسن «تبد بأم شوشه لين تجيك المنقوشة». وفي مجال عموم المشكلة «كلن عليه من زمانه واكف» والواكف هو ماء المطر النازل من السقف. وفي مجال نفع الأباعد دون الأقارب «النخلة العوجاء بطاطها في غير حوضها» وفي تساوي الأوضاع والأمور «قال صبه، قال: احقنه» «هذا العود وهذا طرفه» «قال صفوا صفين قالوا حنا اثنين». وفي مجال الغش «من غاب عن عنزه جابت تيس» فقد كان الرعاة يستقبلهم أصحاب الأغنام مساء فيعطي كل من ولدت عنزه العناق المولودة ومن لم يحضر في حينه لا يبقى له سوى التيس الذي يتركه الآخرون. وفي مجال التنازل عن الحق وترك المهمة «ما لحماري ذنب» وهو شخص انقطع ذنب حماره بسبب شخص له واسطة عند القاضي وسيحكم ضده و«يا مقيط دوك رشاك» قاله شخص ممسك بالحبل لينزل مقيط مع الجبل، ولكنه ترك الحبل لأنه تخلى عن المهمة بسبب تجاهل صنيعه. وفي مجال ضياع الفرصة «أصخنّا الماء وطار الديك» يعني سخنوا الماء لنتف ريش الديك بعد ذبحه، فالماء الساخن يسهل عملية النتف والتنظيف. أما انتهاز الفرصة «إلى هبّت فأذر» إذا هبت الريح استفد منها بتنقية الحبوب من التبن. وأما الصدفة «جاك يا مهنا ما تمنى» و«أعمى لقى خرزه» وفي مجال الشك في تصرف شخص «الذيب ما يهرول عبث» وفي مجال جناية الشخص على نفسه «لولا لساني ما دري وين مكاني» وفي مجال تشابه الظروف «مفصخ لافي على عريان» «متميزر لافي على مفصخ» وفي مجال الحيف وغياب العدل «يشوف القذاة في عين غيره، والنبع في عينه ولا يبصري» و«يغصون بالماء ويجرعون البعارين». وفي مجال العزم «الظامي يكسر الحوض» وكسر الحوض يعني نقصان الماء من الشرب، و«المهتوي يقطع المستوي» والمستوي اسم يطلق على أرض بين القصيم والوشم. وبعض الأمثال الشعبية نستطيع تحريكها في مساحة أوسع لأنها تؤدي أكثر من معنى وتنطبق على أكثر من حالة، مثل «شاة بدو طاحت في مريس» فهو مثل نقوله لرفض تصرف مكرر من شخص، ونقوله أيضا لارتياحنا من عمل أعجبنا وكنا نتمناه من قبل، ونقوله نقدا وتنقيصا لسلوك أو العكس. كذلك المثل «يمدح السوق من ربح به» نقوله رفضا لرأي شخص، أو تأييدا له، أو عند الحيادية من قبلنا في إبداء الرأي. ومثل ذلك أيضا «شد لي وأقطع لك» بينما بعض الأمثال لا تقبل الحركة عن معنى واحد مثل «الشتاء يبي صميل، والقيظ معك علمه» فالمثل يطلب الاستعداد ولا شيء غيره، والصميل نوع من القرب صغير، فإذا كان الشتاء على برودته يحتاج من المسافر أن يحمل معه صميل ماء، فالقيظ لا جدال في حاجة المسافر فيه إلى الماء. ورغم أن المثل الشعبي يستخدم بمرونة متناهية من قبل من تشبع بفهمه واستخدامه ضمن حديثه بالسليقة وتعلمه منذ صغره سماعاً وتطبيقاً إلا أنه في منتهى الصعوبة عند من لم يستخدمه من قبل ولم يكن من ضمن الكلام الذي يتواصل به أفراد مجتمعه، ويفيد كثيرا أن نتعلم الأمثال ونطعم بها أقوالنا، فهي تحوي الكثير من البلاغة والبيان المحسن لعباراتنا، ولا نستغني عن سؤال من سبقونا عن معانيها الفعلية وقصة كل مثل إن وجدت لأن في ذلك تمام للفائدة وتصحيح لاستخدام المثل في موضعه. وهناك تقسيمات أخرى عديدة للمثل الشعبي ثقافية وطبقية ووظيفية.. الخ فمن المثل الشعبي يتبين من قائله وما الفئة العمرية التي تفضله وما حرفة الناس الذين يسري بينهم هذا المثل أو ذاك. وإذا لم يستلذ مستخدم المثل الشعبي باستعماله ويرتاح له ويجد صداه في قبول كلامه فعليه أن لا يستخدمه تقليدا فقط لأنه سينعكس سلبا على بقية الكلام. ومن غير المناسب المبالغة في استخدام الأمثال الشعبية بشكل يزيد على الحد المعقول؛ لأن المثل من أقوال غيرنا وبالتالي يكون الاقتباس بقدر الملح في الطعام، ومثل ما يقولون المحبوب «من كل شيء القدر» ولقد استخدم الشعراء في قصائدهم الأمثال الشعبية بشكل ممتع واختيارات موفقة، وذلك لما له من قبول لدى المتلقي ولما له من أثر أيضا في ثقافة الشاعر نفسه، ولا نجد سوى القليل جدا منهم ممن لم يستخدم المثل الشعبي، ولم يضمنه شعره، ولم يقتبس من معانيه شيئا. ويبقى المثل الشعبي ثريا جدا بغزارة العطاء اللغوي والتجارب واختصارها وتقديمها ونبع يتجدد، ورافدا ثقافيا لا يقف عند حد ما ورثناه ففي كل يوم يضاف لهذا الرصيد المزيد.