السبب في سيطرة الرغبة على استهلاك الكماليات بين الناس يعود لثلاثة أمور، أولها الإعلانات التجارية، وثانيها الضغوظ والمقارنات الاجتماعية، وفي المرتبة الثالثة الهشاشة النفسية، فالإعلانات المكثفة حول أشياء معينة، تخلق (رغبات مصطنعة) عند الأشخاص، ويدفعهم لشراء منتجات لا يحتاجونها.. في نوفمبر من العام الجاري نشرت صحيفة "الرياض" دراسة محلية مهمة، أشارت في محتواها إلى أن 80 % من السعوديين ينفقون أموالهم على الكماليات، وعلى بعض السلع الاستهلاكية التي يمكن الاستغناء عنها، و45 % لا يوفرون مالا على الإطلاق، ويدخر 20 % ما نسبته 10 % من دخولهم الشهرية، ورؤية المملكة تحاول الوصول إلى النسبة الأخيرة بعد ستة أعوام، وبحيث تكون بمثابة متوسط عام لكل مواطنيها، ونسبة الادخار رغم محدوديتها تشير إلى حضور نسبي لثقافة الادخار المطلوبة في المجتمع السعودي، وبحسب أرقام 2022 فالادخار بين العوائل السعودية لا يتجاوز 6 %، مع ملاحظة أنه في 2020، تراجع بين المواطنين لما نسبته الإجمالية 37 % على أساس سنوي، مقارنة بإحصاءات 2019، وبما قيمته 365 مليارا و11 مليون ريال، أو ما يعادل 97 مليارا و336 مليون دولار، وكان السبب هو اهتمامهم بالكماليات، على حساب النفقات الاستهلاكية الأساسية. بالإضافة لما سبق أوضح تقرير صادر عن مجلس شؤون الأسرة في 2022، بأن 55 % من السعوديين لا يدخرون الأموال، والبقية التي تدخر تخصص 58 % من مدخراتها للأمور الطارئة، و34 % للزواج، و26 % لتأمين سكن، و17 % للاستثمار وتنمية الأصول، ونصف في المئة للسفر، وفيما يخص الادخار، أشار المؤتمر السعودي الثالث للاستثمار والأوراق المالية، بأن المواطنين ينفقون من مدخراتهم على السفر والسياحة قرابة 27 مليون ريال سنوياً، أو ما يساوي 7 ملايين و200 ألف دولار. قائمة الدول الأكثر ادخارا عن العام السابق نفسه، وبحسب موقع (وايز بريد) المهتم بالائتمان والتدبير المالي وإنفاق الناس، تصدرتها الصين وبنسبة ادخار شهري قدرها 30 %، ومن ثم فرنسا بنسبة 15 %، وسويسرا والسويد بنسبة 13 %، وألمانيا بنسبة 10 %، وبلجيكا وآيرلندا بنسبة 9 %، بينما ما زالت المملكة متوقفة عند حاجز ال6 %، ومعدل ادخار العوائل السعودية يعتبر الأدنى عالمياً، حيث تقدر نسبته بحوالي 2 %، بينما تصل إلى 11 % في العوائل الألمانية، و36 % في العوائل الصينية، والفارق بينهم كبير. السبب في سيطرة الرغبة على استهلاك الكماليات بين الناس يعود لثلاثة أمور، أولها الإعلانات التجارية، وثانيها الضغوظ والمقارنات الاجتماعية، وفي المرتبة الثالثة الهشاشة النفسية، فالإعلانات المكثفة حول أشياء معينة، تخلق (رغبات مصطنعة) عند الأشخاص، ويدفعهم لشراء منتجات لا يحتاجونها، ووفق استطلاع تم إجراؤه في 2007، وقامت به شركة الأبحاث الأميركية (يانكوفيتش)، فإن الشخص العادي قد يتعرض يوميا لكم كبير من الإعلانات، وربما وصلت أعدادها لأكثر من خمسة آلاف إعلان في كل 24 ساعة، ومع الحضور الكبير لتقنيات السوشال ميديا، تضاعفت أرقامها اليومية إلى عشرة آلاف منذ 2021، وما زالت مستمرة في الارتفاع، والشواهد على تأثيراتها في سلوك المستهلكين حاضرة ومعروفة. إلا أن الشباب في الوقت الحالي، لا تتحرك رغباتهم غير الضرورية بفعل الإعلانات وحدها، فالضغوط الاجتماعية تمارس دورا أساسيا في خياراتهم الاستهلاكية، ويتضح ذلك بشكل أساسي في الطبقتين المتوسطة والفقيرة، وفي رأي الأميركية (جوليت شور) أستاذة الاقتصاد وعلم الاجتماع في جامعة بوسطن، ضغوط المجتمع لديها سلطتها الاستثنائية على الناس، وهم يحرصون دائما على محاكاة وتقليد أقاربهم وزملاء العمل ومؤثري السوشال ميديا، إذا كانوا في مستوى أفضل ويعيشون حياة أكثر رفاهية، وهو ما حول الفعل الاستهلاكي، من وسيلة لسد الاحتياجات الأساسية، إلى شكل من أشكال التعبير عن المكانة الاجتماعية، وهذه المسألة تدركها الشركات تماما وتستثمر فيها، ولعلها تقدم تفسيرا على اهتمام الشباب اليوم، وإقبالهم على ارتداء الماركات المرتفعة في أسعارها حد الإفلاس وبلا ادخار، رغم أنها لا تتناسب وإمكاناتهم المالية، ولمجرد إعطاء انطباع بأنه من أبناء الطبقة الاجتماعية، التي تنتشر فيها هذه الماركات، ضمن ما يسمونه ب(المجموعات المرجعية) أو من يقارن الشخص نفسه بهم، ممن يكونون أعلى منه في السلم الاجتماعي. محاولة تقليد أصحاب الثروات والميسورين، ستؤدي إلى ادخال صاحبها في دائرة (الاستهلاك التنافسي) الذي يظهر بصورة أكبر في بيئة العمل والدراسة، على اعتبار أن الهيكلة الاجتماعية فيهما متفاوتة وليست مسطحة، وأقرب في طابعها إلى النموذج الهرمي، والأشخاص في هذه البيئات يمثلون طبقات وخلفيات مختلفة، والطرف الأضعف ماليا فيهم، هو من يدفع الفاتورة الأعلى، ومعهم أصحاب النفسيات الهشة، ممن يبالغون في حساب ردات فعل غيرهم تجاه اختياراتهم، والمفروض أن يعمل الشخص بنصيحة الفيلسوف الفرنسي جون بول سارتر، وتحديداً في العبارة المشهورة: الجحيم هم الآخرون، والتي جاءت في مسرحيته (لا مخرج)، وينفق 50 % من دخله الشهري على الضرورات، و30 % على ما يرغب فيه ولا يمثل ضرورة، و20 % يدخرها وينساها تماماً، وبما أن متوسط دخل الأسرة السعودية 14 ألف ريال شهرياً، أو ثلاثة آلاف و734 دولار، كما تقول أرقام 2018، فالأنسب إنفاق سبعة آلاف ريال على الأساسيات، وأربعة آلاف و300 على الكماليات، وألفين و700 يتم ادخارها.